Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

نحو ثقافة رمضانيَّة جادَّة

أ.د.طه جابر العلواني

جعل الله صيامكم مقبولًا، ودعاءكم وقيامكم مرفوعًا، واستجاب -سبحانه وتعالى- لنا ولكم، وجعلنا وإياكم من عتقاء شهر رمضان.

لقد اتخذ الناس من رمضان -في أيامنا هذه- موسم سهر وتناول الأطعمة الرمضانية التي تشكلت تقاليدها عبر العصور. وابتدع المعاصرون سلاسل المسلسلات المختلفة؛ من مختلف الروايات والقصص القديمة والحديثة، وعرف الناس ثقافة لم يأتِ بها الإسلام: “تعالوا نُسلي صيامنا”؛ فأضحت تسلية الصيام -إضافة إلى ما تقدم- تشمل إضاعة الوقت في كثير من الأمور التافهة البعيدة عن الجديَّة.

ووُجد من يحرِّض الناس على أن يفرغ هذا الشهر من معانيه، ويجعل صيامه وقيامه نوعًا من التقاليد التي لا تأثير لها ولا فعل في حياة الغالبيَّة العظمى من الناس. وهذا -بالطبع- يخالف كل مقاصد الشارع حين كتب علينا الصيام كما كتبه على الذين من قبلنا، وقد أحببنا أن نذكِّر معاصرينا وأبناءنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا في هذه الأيام بأهم الأحداث الجادَّة التي وقعت في حياة الأمَّة عبر العصور؛ لعلّهم يدركون أن ثقافة «تعالوا نسلي صيامنا» ثقافة شيطانيَّة لا تمت إلى الإسلام بصلة، وأنَّ المفروض فينا أن نتعلم من الصيام ثقافة الاستقامة والصبر، والجديَّة، والتعالي عن سفاسف الأمور، وجديّة التطلع إلى معاليها. وقد اخترنا من بين الأحداث الكثيرة -في تاريخنا- التي ارتبطت بشهر رمضان المجموعة التالية؛ لننبه الغافلين، ولعل الغشاوة تزول عن أعين المغترِّين، فنقول وبالله التوفيق:

كان أول نزول للقرآن الكريم في السابع من شهر رمضان، السنة الثالثة عشرة قبل الهجرة، وكان بقوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق:1)، وذلك حينما كان النبي -صلّى الله عليه وآله وسلّم- يتحنث في غار حراء.

وفي الثالث من رمضان 1307ﻫ الموافق 22 من إبريل 1890م استشهد القائد المسلم الأمير رابح بن الزبير الذي أقام مملكةً إسلاميةً في منطقة تشاد، كانت عاصمتها مدينة ديكوا، وذلك بعد قيام الفرنسيين بغزو مملكته والدخول إلى ديكوا.

وفي الرابع من رمضان 927 ﻫ الموافق 8 من أغسطس 1521م نجح السلطان العثماني في فتح مدينة بلغراد؛ والتي كانت تعد مفتاح أوروبا الوسطى وصاحبة أقوى قلعة على الحدود المجريّة العثمانية.

وقد أُنزلت التوراة على سيدنا موسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- لِستٍّ مَضَين من رمضان.

وفي السادس من رمضان 223ﻫ الموافق 31 يوليو 838م لبَّى الخليفة العباسي المعتصم نداء طلب النجدة في عمورية وفتحها.

وفي السادس من شهر رمضان عام 532ﻫ الموافق 17 مايو 1138م، حدث أول نصر للمسلمين على الصليبيين بقيادة عماد الدين زنكي شمال الشام بحلب.

وفي السادس من رمضان 63ﻫ الموافق 14 مايو 682م انتصر محمد بن القاسم على جيوش الهند عند نهر السند وتم فتح بلاد السند، وكان ذلك في آخر عهد الوليد بن عبد الملك.

وفي السابع من رمضان عام 361ﻫ الموافق 971م أُقيمت الصلاة لأول مرة في الجامع الأزهر بالقاهرة، وهكذا صار الأزهر جامعًا وجامعة؛ جامعًا للعبادة، وجامعةً للعلم.

وفي اليوم السابع من رمضان عام 632ﻫ، أصبحت القاهرة حاضرة الدولة الفاطمية، حيث أعلنها الخليفة المعز عاصمة لدولته بعد أن كانت مدينة المهدية.

وفي الثامن من شهر رمضان 9ﻫ الموافق 18ديسمبر 630م كانت غزوة تبوك، وعاد الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من هذه الغزوة في الشهر نفسه بعد أن أيّده الله -تعالى- تأييدًا كبيرًا فيها.

كان فتح بلاد الأندلس في رمضان سنة 92 ﻫ بقيادة طارق بن زياد.

وفي التاسع من شهر رمضان عام 93ﻫ الموافق 18 يونيو 712م، قام القائد المسلم موسى بن نصير بحملة لاستكمال غزو الأندلس، وتم فتح إشبيلية وطليطلة.

وفي التاسع من رمضان 212ﻫ الموافق 1 ديسمبر 827م نزل المسلمون على شواطئ جزيرة صقلية وسيطروا عليها؛ لينشروا الإسلام في ربوعها، وتم فتح صقلية على يد زياد بن الأغلب.

وفي التاسع من رمضان 479ﻫ الموافق 17 ديسمبر 1086م انتصر يوسف بن تاشفين -قائد جيوش المرابطين- على الفرنجة بقيادة ألفونس السادس في معركة الزلاقة، وقد نجا الفونس مع تسعة فقط من أفراد جيشه، وتشير بعض المصادر إلى أنّ معركة الزلاقة وقعت يوم الجمعة 12 رجب 479ﻫ الموافق 23/10/1086م.

في العاشر من رمضان 8ﻫ الموافق 1 من يناير 630م قام الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه بالتحرك لفتح مكة في العام الثامن من الهجرة؛ الذي سُمي بعام الفتح، وكان هذا الفتح تتويجًا لجهود النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الدعوة، وإيذانًا بسيادة الإسلام في شبه الجزيرة العربية.

وفي العاشر من رمضان 648ﻫ الموافق 1250م انتصرت شجرة الدر -زوجة الملك الصالح- في معركة المنصورة على لويس التاسع، حيث أُسر وقُتل عدد كبير من جنوده.

وفي العاشر من رمضان 1393ﻫ الموافق 6 أكتوبر 1973م انتصرت القوات المصرية -خير أجناد الأرض- على اليهود في معركة العبور، وذلك بعد سلسلة من الهزائم التي مُني بها العرب في حروبهم مع اليهود.

وقعت غزوة بدر في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، ومعركة القادسية في رمضان سنة خمسة عشر للهجرة بقيادة سعد بن أبي وقاص، ومعركة عين جالوت في رمضان سنة 685 بقيادة السلطان قطز والقائد العسكري بيبرس، وموقعة حطين في رمضان سنة 584ﻫ بقيادة صلاح الدين. وتم فتح البويب في السنة 13ﻫ، وفتح النوبة سنة 31ﻫ، وفتح شقحب سنة 702ﻫ، وفتح قبرص في عهد المماليك سنة 829ﻫ.

تلك الأحداث المذكورة -وكثير غيرها مما لم نذكره أو لم يسجله تاريخ- تدل على مدى الجديَّة التي ينبغي أن يتسم بها سلوك المسلمين في هذا الشهر الكريم، والدروس الهامَّة التي عليهم أن يستقوها من هذا الشهر وأيامه ولياليه، فهو شهر القرآن، والقرآن تبيان لكل شيء، إنَّه شهر الكفاية والعدل: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (العنكبوت:51).

إنَّه رمضان شهر الاجتهاد والجهاد والتقوى والرشاد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:183)، ﴿… كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ (البقرة:187)، إنَّه شهر الاتصال بالله جلَّ شأنه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة:186).

فاللهم إجعل عملنا له كما تحب، وارزقنا ثوابه، اللهم آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *