Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الصوت بين الإهدار وحسن الاختيار

د. طه جابر العلواني

إنَّ الصوت الانتخابيّ أمانة ومسؤوليَّة، و قد أحاط الله الإنسان بحفظة يكتبون عليه ما يقول وما يفعل، حيث قال جلَّ شأنه: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق:18). والكلمة الانتخابيَّة قول خاضع للرقابة الإلهيَّة، تقتضي فقه الكلمة، وإدراك مسؤوليَّتها، فهي أمانة ومسؤوليَّتها عند الله خطيرة جدًّا. إنّ الصوت الانتخابيّ أشد من الشهادة وأقوى من الرواية، فالشهادة يشهدها إنسان على إنسان في قضيَّة أو حق قد لا يتجاوز ضررها ذلك الإنسان المشهود عليه، لكن أن يشهد للأمَّة أن فلانًا أصلح لشؤونها من فلان فتلك كلمة خطيرة ومسؤوليَّة كبيرة، ولَرُبَّ كلمة يقولها الإنسان لا يلقي لها بالًا يهوي بها سبعين خريفًا في جهنم. إنَّ الذي ينتخب إنسانًا لمنصب عام -خاصَّة إذا كان منصب الولاية العامَّة- يجب أن يدرك أنَّه سوف يكون شريكًا لصاحب ذلك المنصب في كل تصرف يفعله، فإذا ظلم أو أساء أو انحرف أو تهاون في مصالح الأمَّة، أو أهمل الفقراء وأصحاب العشوائيَّات وما إلى ذلك فقد ارتكب إثمًا مبينًا في المشاركة بإيصال ذلك المسؤول إلى سُدَّة المسؤوليَّة، وسوف يشاركه في كل ما فعل ويفعل. من هنا كان ينبغي أن يقوم أهل العلم والفكر والأدباء والكتَّاب والإعلاميون بواجباتهم في توعية الناس لا في تضليلهم، ومساعدتهم على فقه الكلمة، ومعرفة مسؤوليَّتها.

كان ينبغي أن يسبق الديمقراطيَّة إشاعة ثقافتها، فللديمقراطيَّة ثقافة وأسس وقواعد. فلا يستطيع أن يستمتع أحد بإيجابيَّات الديمقراطيَّة ويتجنب سلبياتها وأعراضها الجانبيَّة دون أن يكون على وعي تام بها؛ لذلك فإنَّ الحاجة ماسة لاستقاء الدروس والعبر من كل ما حدث في عالمنا الإسلاميّ في القرن الماضي وفي أوائل هذا القرن، ومعرفة سائر جوانب العمليَّة الديمقراطيَّة، وتثقيف الناس بها، وبيان أساليبها، وكيفيَّات تزييفها، والانحراف بها، فإنَّ هذه الحياة ليس فيها شيء -إلا ما رحم ربي واستثنى- يمكن أن يخلص من جميع السلبيَّات والأعراض الجانبيَّة ويأتي صافيًا خالصًا تمامًا، فياليت قومي يعلمون. ومن البدهيَّات التي علَّمنا القرآن الكريم الموازنة بينها: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ*وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ*وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ*وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (فاطر:19-22). وهناك أرصدة عالية للأمم من الخبرات والتجارب تأتي في أمثالها أحيانًا وفي أقوالها السائرة أحيانًا أخرى، مثل (مجرب المجرب)، وما إلى ذلك من أمور.

فلو أنَّ الناس تلقوا -قبل ممارسة أيَّة عمليَّة باسم إسلام أو ديمقراطيَّة أو أي منهج آخر- ثقافة توضح لهم كيف ينظرون إلى الأمور، وكيف يزنون، وكيف يعرفون الأولويات، وكيف يقدرون ويفقهون مسؤوليَّة الكلمة ومسؤوليَّة الصوت لما باع أحد صوته ولا بمليارات الجنيهات؛ لأنَّه ربّ صوت أورث ندامة يوم القيامة، ورب ّصوت أو كلمة تودي بوطن وبلد وشعب إلى الهاوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *