Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

بين شكليَّة الفقه والقانون ومقاصديَّة الدين

د. طه جابر العلواني

لفت نظري وأنا أدرس بعض كتب الفقه قول بعض الفقهاء: “نفتي في هذا فقهًا لا تدينًا”. وكنت وأنا طالب علم أتساءل أليس الفقه من الدين؟ أليس الفقه هو فقه الدين؟ فكيف يقولون فقهًا لا تدينًا؟ بالطبع يريدون بذلك أنَّه لو لاحظوا التقوى باعتبارها السياج الذي أحاط الله –جل شأنه- به كل قضايا الإسلام بحيث لا يمكن أن يقع شيء منها إلا فقهًا وتدينًا لما أوقعونا بالفقه الشكلي الذي لا علاقة له بالتقوى ولا يدل على تدين. والفقه الشكليّ خطر جدًا، يستطيع أن يجعل الحلال حرامًا والحرام حلالًا ما دام قد بعد عن ضوابط التقوى. وكل ما عرف بالحيل الفقهيَّة ومثلها الحيل القانونيَّة كان لفقهاء الإسلام مندوحة عنها لو لاحظوا جانب التقوى، لكنَّ بعضهم لأسباب مختلفة ضحّى بالتقوى ليُظهر المهارة في الفتوى، حتى عرفنا في فقهنا ما سمّوه بالمخارج والحيل، وهو باب واسع عني به كثير من الفقهاء، واعتبروا المهارة فيه قمة المهارة في الفقه. وبذلك بدأ الفقه والقانون في العقليَّة المسلمة يُعنى بالجوانب الشكليَّة الفنيَّة ولا يقوم على التقوى، في حين كان فقه الشيخين وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز –رضي الله عنهم أجمعين- سداه ولُحمته التقوى.

فحين بدأ بعض المجرمين الاستفادة من جماعيَّة الجزاء والعقوبة وحدث في زمن عمر بأن اجتمع أفراد على قتل واحد؛ ليستفيدوا من أنَّ القصاص لا يوقع إلا على فرد مقابل فرد. فإذا زاد القتلة عن واحد فينتقل إلى الديَّة ولا يكون قصاص، آنذاك قال عمر قولته المشهورة: “لو أنَّ أهل صنعاء اجتمعوا على قتل رجل واحد لقتلهم به جميعًا”؛ لأنَّ ذلك في نظره هو الذي يحقق العدل ويحقق أهداف القصاص ومقاصده الشرعيَّة. إنَّنا أحوج ما نكون إلى أن ندرس فقهنا بكل أبوابه، في إطار التقوى وضمن ضوابطها ومقوماتها، وإلا سنجد من يحل الموبقات ويحرم الواجبات.

حين كنا طلابًا في الستينيَّات في الأزهر تحدت راقصة مشهورة كل علماء الإسلام في الأزهر وغيره أن يثبتوا لها أنَّ الرقص حرام، واستدلت بأنَّ الرقص مجموعة حركات. كل حركة منها على حدة مباحة، ولا يستطيع أحد تحريمها، فالمفروض ألا تحرم مجتمعة. ثم بدأت تقول: أود أن أسأل العلماء هل من حقي أن أحرك رجلي اليُمنى باتجاه اليمين وباتجاه اليسار؟ لا أظن أحد يستطيع أن يقول حرام عليَّ تحريك رجلي بهذا الاتجاه أو ذاك، وكذلك الحال بالنسبة لرجلي اليسرى، وأمَّا هز الوسط فالمرأة قد تجري وقد تمشي بسرعة ولا أحد يستطيع أن يحرم عليها ما يترتب على ذلك من حركة الوسط. وهكذا أخذت الأمور بشكل جزئيّ، فكانت النتيجة أن جلسنا ونحن طلاب في الدراسات العليا نتناقش في تلك الحجة البالغة التي طرحتها علينا الراقصة المتحدية.

        ولو أنَّ الفقهاء أحاطوا الأمور بالرؤية الكليَّة القرآنيَّة، ولاحظوا الأولويَّات، والمقاصد، والكليَّات؛ لما وُجدت تلك الثغرات التي طالما أضرت بنا، وفصلت بين الدين والفتوى، وسوَّغت لمن قال أن يقول: “هذا ما نفتي به فقهًا لا دينًا”، فكأنَّ الفقه يمثل الشكل فقط، وأمَّا الدين وما يشتمل عليه فهو أمر عائد إلى المضمون الذي قرروا إهماله عن عمد وسوء قصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *