Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

خطبة الجمعة والوعي السياسي

أ.د: طه جابر العلواني

خطبة الجمعة من الوسائل التثقيفيَّة لعامَّة المسلمين. قليلون من الخطباء يدركون أهميَّتها وتأثيرها فيعطون ما لا يستهان به من أوقاتهم وطاقاتهم وجهودهم في إعدادها بحيث ينتفع بها السامعون. لكن كثيرين يعتبرونها بمثابة ركعتين مكملتين لصلاة الجمعة التي اختزلت في نظرهم إلى ركعتين، لتكون الخطبة ركعتين مكملتين؛ ولذلك قد يكتفي بعض هؤلاء بالأركان التي ذكرها الفقهاء للخطبة من تلاوة آية وحديث، وقول أوصيكم بتقوى الله، والدعاء.

        وفي ظل الأميَّة الدينيَّة، تكتسب خطبة الجمعة أهميَّة كبيرة تجعل منها مصدرًا من أهم المصادر في تعليم الناس أمور دينهم، وأخلاقهم، وسلوكيَّاتهم في تعامل بعضهم بعضًا، وتعليمهم كيفية بناء دعائم المساواة والمؤاخاة والتسامح بين عناصر المجتمع. وحين تظهر في المجتمع ظواهر سلبيَّة وانحرافات أخلاقيَّة أو سلوكيَّة فإنَّ الخطبة –آنذاك- تعد من أهم مصادر التقييم والتقويم؛ لذلك فإنَّها مسؤوليَّة وأمانة. وسيسأل الله الخطباء والدعاة عما قدموا، وكيف قدموا، وهل انتفعت الأمَّة به، أم لم تنتفع؟ وسيسأل الله المصلين أيضًا عما يسمعونه من الخطباء هل استفادوا به؟ هل كان له أثر  في حياتهم؟ هل طلبوا من الخطباء الذين لا يبالون بخطبهم مزيدًا من الاهتمام، وإعداد خطبهم؛ لتملأ الفراغ الذي تركته نظم التعليم، وأجهزة الإعلام والتوجيه؟ إلى غير ذلك.

        إذًا فالذهاب إلى المسجد يوم الجمعة والاستماع إلى الخطبة لا ينبغي أن يكون مجرد عادة من العادات الأسبوعيَّة يقوم بها الخطيب والجمهور الذي يخطب فيه بأداء شعيرة للتخلص من مسؤوليَّة وكفى. ولقد كشفت مناسبات كثيرة عن ضعف الزاد الذي يُقدم في خطبة الجمعة، وقلَّة غِنائه بالنسبة للمشكلات، كما كشفت عن أنَّ العناية بتأهيل الخطباء وإعدادهم الإعداد اللازم لم يتم. وتلك مسئوليَّة الأمَّة ومسئوليَّة أجهزة التعليم، وفي مقدمتها الأزهر، وجامعته، ومعاهده. فكل أولئك مسئولون عن ضعف الإعداد، وعن الشعور بالفراغ حينما لا يجد الناس لدى خطيب الجمعة ما ينفعهم، ويجيب على تساؤلاتهم، ويوجههم الوجهة الأفضل.

        ولو أنَّ ذلك حدث لما رأينا الملايين من المسلمين وغير المسلمين لا يعرفون شيئًا عن أهميَّة الصوت الذي يدلون به لاختيار نائب أو حاكم. وليس لديهم شيء من فقه الكلمة، والمسئوليَّة عنها في هذه المجالات، حتى وجدنا أناسًا لا يرون فارقًا بين أن يجلسوا في بيوتهم أو يذهبوا إلى التصويت، وإذا صوتوا فلا فرق عندهم إذا صوتوا لفلان أو فلان؛ لأنَّهم لا يعرفون شروط الإمامة، والبيعة، ولا نواميس المجتمع وقوانينه، ولا ما يتوقعه المحكومون من الحكام، والحكام من المحكومين، ولا غير ذلك. وهذه مسؤوليَّة خطيرة سوف نسأل عنها في الدنيا، كيف أضعنا أموالنا وبلادنا وأنفسنا وأعراضنا حين خوَّنا الأمين وائتمنا الخائن، سوف نسأل عن الجماهير التي وضعت الغشاوات على أعينها؛ لكي لا ترى الفرق بين البصر والعمى والنور والظلمة: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾ (فاطر:19-22). إنَّ الأمل كبير أن يأخذ الناس من الأحداث دروسًا، تساعد على إعادة التأهيل ورصد الثغرات.

لقد كان خطباء الجمعة وكثير من الدعاة يحاولون أن يقولوا إنَّ الشعب كلّه يريد تطبيق الشريعة، وإقامة الحدود، وما إلى ذلك. وينسى أولئك الدعاة أنَّ الجائع والعطشان والمريض والمهموم مشغول البال، لا يستطيع القضاء وإبداء الرأي. وإنَّ الإدلاء بصوت انتخابيّ فيه معنى الرواية والشهادة والقضاء، يرجع إلى نوع من الولاية، لا يستطيع أن يقوم بها الجياع، ولا العطاش الذين يشربون مياه الصرف، ولا المرضى الذين لا يجدون دواء، ولا الأطفال المشردين في الشوارع، ومن لا يجدون مأوى، ومن يسكنون القبور يزاحمون الأموات فيها بعد أن عجزوا عن السكنى بين الأحياء الذين زاحموهم حتى أخرجوهم.

        إنّ تطبيق الشريعة ما جاء إلا في المدينة المنوَّرة بعد أن بٌني المجتمع، فتأسست الأمَّة، وتشكَّلت الروابط، واحتاج الناس إلى التشريعات التي تضبط حياتهم وتصرفاتهم، وتحدد علاقاتهم. فدعوى كثير من الخطباء والدعاة أنَّ الأمَّة كلّها مسلمة، وأنَّها سوف تصوِّت لشعار الإسلام هو الحل، وسوف تمنح أصواتها لحملة هذه الشعارات، لعلّه قد بان لهم الآن خطأ تصوراتهم، وأدركوا أنَّ الإنسان لينظر في أمر ويختار لابد ألاّ يكون عاريًا، ولا جائعًا، ولا عطشانًا، ولا مهمومًا، ولا مشردًا بلا سكن، ولا مريضًا بلا دواء أو مستشفى، ولا جاهلًا لا يجد فرصة تعليم، فهؤلاء كلّهم يُلحقون بذوي الأعذار. في هذا المجال لا تستطيع مطالبتهم بأداء الواجب إلا إذا لبيّت احتياجاتهم.

        والإنسان مفطور على حب العاجلة، فتأجيل الوفاء لهم بمتطلباتهم إلى الدار الآخرة لا يجعلهم يقدِّمون أصواتهم وتأييدهم إلى من لا يستطيعون الوفاء بمتطلبات الحياة الكريمة إلا بعد ترك الحياة الدنيا. وآنذاك لا يحتاج الناس إلى هؤلاء لأنَّهم  سيجدون الله عندهم فيوفيهم حسابهم، لا الحزب الفلاني ولا الزعيم الفلاني. فلعل حملة هذا الخطاب يدركون الآن ما كان من الضروريّ أن يدركوه قبل فترة طويلة من الزمن، من ضرورة إعادة النظر في الخطاب الدينيّ إجمالاً، وعلى الأخص خطبة الجمة باعتبارها قناة توجيه. فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يُلهم الخطباء والمشرفين على إعدادهم وتكوينهم الصواب، ويهيئهم لأداء الواجب، إنَّه سميع عليم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *