Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

خواطر في «السلفيَّة» وامتداداتها

نظرة إلى الماضي القريب

د. طه جابر العلواني

  1. خطاب «النهضة» منذ بداية «اليقظة العربيَّة» –بقطع النظر عن تحديد بداياتها- هيمن عليه، وتحكم فيه مفهوما «الأصالة والحداثة»أو «المعاصرة».
  2. لقد مثّلت «السلفيَّة» خطاب «الأصالة» والانطلاق منها لتحقيق الإصلاح والنهوض والحصول على إيجابيّات «الحداثة» ونفي سلبيّاتها.

وعدّت «السلفيَّة» دعائم «هويَّة الأصالة» الإسلام أولا والعروبة ثانيًا. فكانت حركة الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوهاب (توفى:1206هـ الموافق1791م) وخلفتها حركات الشوكانيّين في اليمن، والآلوسيّين في بغداد، وتجاوبت معها حركات عديدة في الهند والمغرب.

وقد دخلت «السلفيّة الوهّابيَّة» المغرب باعتبارها أساسًا ومنطلقًا للإصلاح العقيديّ على يد السلطان مُحَمَّد بن عبد الله (1790-1757م) واستمرت في هيمنتها السياسيّة في عهد ولديه من بعده حتى (1822م).

  1. وظلت «السلفيَّة» في ثيابها تلك تتفاعل امتدادًا وانحسارًا حتى تسلّمت «الحركة الإصلاحيَّة» راية «خطاب النهوض» وبرز فيها «الأفغانيّ» ومدرسته –التي ورثتها «مدرسة المنار» ومن بين ورثة «مدرسة المنار» كان الشيخ حسن البنا!
  2. بالنسبة للمغرب العربيّ كان مسكونًا بكل أقاليمه بمستوى أو بآخر بآثار وانعكاسات سقوط الأندلس عام (1492م) من ناحية، والهزائم العسكريَّة الكبرى من شأنها أن تشد الناس إلى أسبابها المباشرة، وهي الجيش والسلاح والتنظيم الإداريّ. وقل أن تلتفت القوى المنهزمة إلى قضايا «الفكر والثقافة» ونحوها. وإذا قبل «الاتجاه السلفيّ» أو نحوه هنا وهناك فلما لذلك من تأثير في قضايا العقيدة، وهي قضايا تساعد على تحويل الجهد إلى جانب تصحيح المسار الدينيّ، لإعادة بناء العلاقة بالله –تعالى- بشكل سليم وراسخ فيؤدي ذلك إلى التحلّي بحقائق الإيمان التي تستدعي النصر.

فإذا أضيف إلى ذلك تغيير في أنظمة الإدارة والجيش القديمة، وانتحال أساليب ووسائل النهوض: فذلك سيجعل العلماء والحكام في حالة توافق وانسجام وجهد مشترك لتعبئة الأمَّة.

أما الفكر والثقافة فقد لا تلتفت الأنظار إليها إلا متأخّرة.

ولذلك حين هزمت المغرب في إيسلي (1844م) وسبقتها الجزائر في (1830م) اتجهت جهود الإصلاح نحو ذلك –الذي ذكرنا؛ لأنّ انعكاسات تلك الهزائم كانت عوامل ضغط وإلحاح تقود إلى ذلك الاتجاه.

  1. ربَّما كانت بداية الالتفات إلى أهميَّة «الفكر والثقافة» في إعادة بناء الأمّة وصياغة سؤال النهضة معرفيًّا مع الحملة الفرنسيّة على مصر واحتكاك علمائها بالعلماء الذين رافقوا الحملة وولادة وعي علماء مصر، وفي مقدّمتهم بعض شيوخ الأزهر بقيادة الشيخ حسن العطار (توفى:1250هـ الموافق 1835م) الذي لم يتردد في بيان ضرورة تعلّم المسلمين من علوم الغرب مَا يسمح لهم بالاستجابة للتحدي. وكذلك ضرورة تجاوز بعض العلوم والمعارف القديمة التي كان يشتغل الأزهريّون بها، ولا نفع لها يذكر في دين أو دنيا. وقد ضرب العطار بنفسه المثل في ذلك فبدأ يدرس مثل طالب مبتدئ بعض العلوم على علماء الحملة الفرنسيّة بعد أن أتقن اللغة الفرنسية وأجادها.
  2. «السلفيَّة الجديدة أو النهضويَّة» التي قدمها جمال الدين الأفغانيّ ومدرسته تواصلت تأكيداتها على قضيّة إصلاح العقيدة لاتخاذها منطلقًا للإصلاح: فكتب الأفغاني «الرد على الدهريِّين» وشرح محمد عبده «العقائد العضديَّة» وكتب –بعد ذلك «رسالة التوحيد». إلاَّ أنّ تلك الحركة السلفيّة لم تبذل جهدًا كافيًا على أن تربط ذلك بعمليّات بناء الوعي أو تحقيق الوعي على الذات.
  3. ثم ارتبطت فكرة «الأصالة أو التراث» بأطروحة «تطبيق الشريعة»، وانقسم تيَّار «الأصالة» إلى فريقين: فريق يرى ضرورة التطبيق الكامل والحرفيّ للشريعة معاملات وجنايات ونظام حياة وأسرة. وفريق يرى أنّه يكفي اعتماد «الفقه الإسلاميّ» مصدرًا أساسًا أو أول للقوانين المرعيَّة، أو ملاحظة القيم العليا والمقاصد الشرعيَّة في نظم الحياة، وفي مقدمتها المصالح؛ لأنّ الشريعة قد بنيت على المصالح ودرء المفاسد.
  4. لأسباب كثيرة قد يعود بعضها إلى مرحلة الصراع بين «أهل السيف وأهل القلم» جرت العادة بين مختلف التيّارات في المحيط الاجتماعيّ الإسلاميِّ، ومنها التيّارات الإسلاميّة على تقديم السياسة على الثقافة. والسياسيّ على الثقافيّ. والأسباب كثيرة فنتائج السياسيّ كثيرًا مَا تكون عاجلة وسريعة، وملموسة، خلافًا لنتائج الثقافيّ. والسياسيّ تسهل إضفاء صفة الجهاد عليه، وليس كذلك الثقافيّ.
  5. ارتبط الإسلام في أذهان أبناء الإقليّات الدينيَّة من نصارى ويهود، ومثلهم كثير من الغربيّيِّن، بل والعلمانيّيّن المسلمين بالحكم العثمانيّ وبـ «الدولة العثمانيّة» وأعطى ذلك كثيرًا من التصورات السلبيَّة عن الإسلام جملة؛ لأنّ الأذهان كانت تستدعي –باستمرار السلبيّ، لا الإيجابيّ من تلك التجربة.
  6. كما ارتبطت فكرة «العروبة» في المشرق «بالخروج على دولة الخلافة العثمانيّة» وفصم عرى وحدة الأمّة واستبدال الرابطة الإسلاميَّة بالرابطة القوميّة والتعاون مع الأجنبيّ ضد الأخ في الدين فألقى ذلك ظلالا قاتمة على «العروبيَّة» في الأذهان المسلمة في المشرق خاصّة.
  7. فلا غرابة أن نجد «النخبة» في العالم العربيّ المشرقيّ منقسمة منذ أوائل القرن الماضي وحتى اليوم بتأثير من ذلك إلى توجهات ثلاثة:

الأول: مَا يعتبر تيّارًا إسلاميًّا سلفيًّا يتبنى جواب نهضة منبثقًا عن التراث والأصالة.

الثاني: تيار ليبراليّ عروبيّ يتبنّى «الحداثة» جوابًا عن سؤال النهضة دون نظر لأيّة اعتبارات أخرى.

الثالث: تيار توفيقيّ يحاول الجمع والتوفيق بين التيارين من غير أن يحسم بتبنىِّ موقف أي منهما.

  1. مع آفة تقديم السياسة على الثقافة –التي أشرنا إليها- نجد آفة أخرى هِيَ الازدواجيَّة الثقافيّة التي تحتاج الأمّة إلى كثير من الجهود المنهجيّة لتجاوزها وإخراج نخبة الأمّة منها. وهذه الازدواجيَّة ظاهرة في وجود الليبراليّة والسلفيّة على المستوى الأيديولوجيّ، والإسلام والعروبة على مستوى الهويّة على صعيد واحد ومحاولة المواءمة شبه المتعذرة بينهما.

لقد نجحت «النخبة اليهوديّة» في الربط الدقيق بين «الصهيونيّة» وهي التعبير القوميّ عن اليهوديّة. و«اليهوديّة» باعتبارها التعبير الدينيّ عن ديانة «اليهود والصهاينة» وقد نجحت هذه النخبة اليهوديّة بأعمالهما -معًا- أو تشغيلهما على البدل بحسب حاجة القوم، في حين عجز العرب المسلمون عن تحقيق مثل هذا التوافق بين عروبيّتهم وإسلامهم فخسروا الكثير!!

  1. إنّ الناظر في تراث الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوهاب يستطيع أن يلمس في تراثه وجهوده، ذلك الاتجاه الجاد للتوفيق بين الإسلام والعروبة، وإعمالهما -معًا- في تحقيق أهداف مشروعه الطموح.
  2. إنّ «السلفيّة المعاصرة» -قبل الدخول في معترك السياسة- في حاجة ماسّة لدراسة تاريخ «الحركة السلفيّة» لتتبيّن مواطئ أقدامها التي لا نريد لها أن تغوص في أوحال القبور، ولا تستنزف طاقاتها في صراعات لا أول لها ولا آخر؛ بل تقدّم للأمّة مشروعًا نهضويًّا كاملا يرسم خطواته-كلّها- المنهج القرآنيّ النبويّ في بناء الأمّة ليتمكن هذا التيار من المشاركة الفاعلة في إعادة بناء هذه الأمّة: «ولن يصلح آخر هذه الأمّة إلاّ بما صلح به أولها».

والله تعالى أعلى وأعلم

([1])  ملخص محاضرة ألقيت قبل فترة في «جمعية أبي رقراق» في المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *