Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

«شباب الأمّة ثروة الحاضر وعدة المستقبل»

د.طه العلواني

تعتبر مشكلات الشباب وما يتعرضون له من تحديات -في عصرنا هذا- من المشكلات العالميَّة، التي أخذت وما زالت تأخذ من اهتمامات الدول -شعوبًا وحكومات ومؤسَّسات ومجتمعًا مدنيًّا- نصيبًا كبيرًا من الاهتمام والجهود؛ ذلك أنَّ عنصر الشباب في عصرنا الراهن يتعرّض إلى تحديّات هائلة، منها ما يحدث له نتيجة انعكاس وتأثير مشكلات أخرى؛ مثل الأزمات الاقتصاديَّة، وأزمات التعليم، وضعف الروابط الأسريَّة، وفصام الأجيال، وقلة النماذج والأمثلة التي تعطي القدوة الحسنة، وأوقات الفراغ، وانتشار المخدّرات والانحرافات الأخلاقيَّة بكل أشكالها، إضافة إلى ما يمكن تسميته بانتشار وسائل الدعوة إلى الجنوح والانحراف، واحتراف بعض النّاس نشر وسائل الدمار لشباب بلدان وشعوب يُراد لها أن تهدر ثروتها من الشباب؛ لئلا تستفيد بها فيما ينفعها، وينمّي قدراتها وإمكاناتها. وأمَّتنا العربيَّة من الأمم المستهدفة في شبابها، لأسباب عديدة، قد تختلف من قطر لآخر من أقطارنا العربيَّة، مما جعل هذه الشريحة من شرائح مجتمعاتنا عرضة للإصابة بكثير من الآفات، ولم تكن قضايا تعاطي المخدِّرات والإدمان، والجنوح، وأخطار السقوط في بعض الجرائم بعيدة عن كثير من هؤلاء.

لقد أسّست معظم الدول العربيَّة مؤسَّسات أو وزارات للشباب، عملت على توجيه الشباب، وتهيئتهم للانشغال بالرياضة بكل أنواعها، وإقامة المخيَّمات ودور الشباب وما إلى ذلك… ومع كثرة الأموال التي خصِّصت وصرفت لهذه الأغراض، لكن الظواهر السلبيَّة استمرت في التصاعد، وفوائد تلك البرامج بقيت محصورة في أعداد قليلة، أمَّا الغالبيَّة من الشباب فكانت استفادتها من كثير من تلك البرامج محدودة، مما يستدعي دراسات خاصَّة لمعرفة الأسباب الحقيقيَّة لضآلة العائد الذي يعود على الشباب أنفسهم، مما يفرض مزيدًا من البحث والدراسة في سائر الظواهر السلبيَّة التي تُلاحظ في أوساط شبابنا. وفي إطار تلك التحدِّيات شعرنا أنَّ من واجبنا أن نعمل ما نستطيع للمشاركة في حماية شباب أمَّتنا، وتسديد مسيرتهم، وإعدادهم لأداء أدوار مهمَّة تنتظرها الأمَّة منهم.

إنَّ الأمم تعتمد في بناء حضاراتها وعمرانها على عنصر الشباب؛ لأنَّه هو العنصر الذي يتمتَّع بالطاقات والفاعليَّة، عندما تُبنى فيه روح الإرادة والعزيمة، وتتوافر له القيادة المقنعة التي تعرف كيف تستخرج من الشباب أفضل ما لديه، وتفجِّر طاقاته، وتجعله قادرًا على أن يرى ثمار جهوده ويلمسها، إنَّ ثروات الأمم الحقيقيَّة تكمن في شبابها، فالشباب هو صانع الحضارة، وباني بلدانها، والمؤسِّس لدعائم عمرانها، إنَّ إبراهيم –عليه السلام- حين حمل الحنيفيَّة السمحاء ووقف بوجه الأصنام وعبَّادها، ونقل الناس إلى التوحيد، كان شابًا: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ (الأنبياء:60)، وأهل الكهف كانوا شبابًا: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ (الكهف:13).

إنَّ الشباب هم عناصر الحماية عند الخطر، والإصلاح عند الفساد، والتغيير عندما توجد وسائله وتظهر دواعيه.

إنَّ الأمّة إذا خسرت مواردها فإنَّها تستطيع تعويضها بشبابها ورجالها، وإذا تراجعت حضارتها فإنَّها تستطيع إعادة بنائها بشبابها ورجالها، وإذا اضطرب اقتصادها فإنَّها تستطيع إعادة الحياة والازدهار له بشبابها ورجالها.

لكنَّ الأمَّة إذا خسرت شبابها فإنَّها ستخسر نفسها بدون عوض. ومن هنا فإنَّ الأمم الحيَّة تحرص -الحرص كلَّه- على حماية شبابها والمحافظة على الأجيال الطالعة من أبنائها، وبذل الغالي والنفيس في سبيل إعدادهم وفق استراتيجيَّة سليمة؛ لمنحها الدوام والاستمرار، والمحافظة على ازدهارها واستقرارها وحريَّتها واستقلالها، واستمرار رايتها عالية خفَّاقة تتداولها أجيالها الطالعة عبر القرون.

إنَّ التفريط بالشباب وبوسائل إعدادهم، وتكوينهم، وتركهم نهبًا للمخدِّرات والجنس وسائر الانحرافات تفريط بتاريخ الأمَّة وحاضرها ومستقبلها، وتدمير لوجودها، وخيانة لسائر أجيالها.

إنَّ الأخطار التي تهدِّد الشباب كثيرة جدًا؛ ولذلك فإنَّ الأمم ينبغي أن تكثِّف جهودها في حماية شبابها وتحصينهم وإعدادهم علميًّا وعمليًّا وثقافيًّا لمواجهة التحديات التي تتهددهم. والمسلمون أكثر الناس حاجة لشبابهم، وأشدهم افتقارًا لحماية شبابهم، وتدريبهم على سائر المهارات والتخصُّصات التي تحتاجها الأمَّة لنهوضها وتقدُّمها، وإعادة بناء حضارتها، ومغادرة مستنقعات تخلُّفها وتراجعها. إنَّه واجب أمَّة بأكملها.

إنَّ (الرياضة) -كما هي في الوقت الحاضر- ليست حلاًّ لمشكلات الشباب. والمؤسسات التي أوجدت لخدمة الرياضة بحاجة ماسة إلى إعادة النظر، فضلا عن إعادة بناء جديد وفقًا لفلسفة جادة لا تستهدف تبديد أوقات الشباب، وتصريف طاقاتهم فقط، ولكنها تكون فلسفة قائمة على صورة «الشباب» في القرآن المجيد، وفي جيل التلقي. وتكون تلك المؤسسات جزءًا من خطة شاملة للنهوض بشباب الأمة، والمشاركة في إعدادهم لحمل أعباء النهوض بها، وإعادة بنائها، فهل من مجيب قبل فوات الأوان؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *