Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

المسلمون بين العمل والكسل

 

أ.د/ طه جابر العلواني

السيد رونالد رامسفيلد ذائع الصيت، كان إلى شهور قليلة وزير دفاع السيد جورج دبليو بوش، وصقرًا من أهم صقور إدارته. حين يتحدث الرجل عن الأمم الأخرى وعن أي شعب غير الشعب الأمريكي فإنَّه يتحدث بلهجة متعالية متغطرسة، وكأنه واحد من قدامى علماء الأنثروبولوجيا.

لقد شتم السيد رامسفيلد الأوروبيِّين في عقر دارهم، وقال لهم في واحد من كبريات اجتماعاتهم: “أنتم تمثِّلون أوروبا القديمة التي أفلت شمسها” وتسبَّب في أزمة بين أوروبا وأمريكا اضطرت أمريكا لأن تعتذر للأوروبيِّين، وحين زار بغداد في الأيام الأولى لسقوط نظام صدام أصرَّ على أن يزور منطقة برج بابل، ليقول: “إنَّ أمريكا قد أصبحت وارثة لا للحضارة الإسلاميَّة العباسيَّة فقط بل لجميع الحضارات التي مثَّلها العراق”.

كان مساعده إلى فترة قليلة سبقت تركه البنتاجون- (بول ولفوتس)، وهو أحد الأكاديميِّين الذين لهم باع طويل في التنظير للصهيونيَّة ولاقتصاديَّات العالم في ظلِّ قيادة صهيونيَّة، وبشكل عرضيٍّ يمكن الإشارة إلى أنَّ الحركة الصهيونيَّة حرصت على حمايته، فأخرجته من البنتاجون إلى رئاسة البنك الدولي قبل أن ينكشف ظهره بسقوط وزيره رامسفيلد. ولكنَّه سقط عن طريق صديقته الإيرانيَّة التي ضاعف لها مرتبها وأعطاها درجة أعلى بكثير مما تستحق، ثم فقد بسبب ذلك منصبه ليعود إلى القطاع الأكاديميِّ الذي جاء منه في جامعة جون هوبكنـز. رامسفيلد هذا قال، فيما نقلته عنه وسائل الإعلام في الأسبوع الأول من نوفمبر الحالي: إنَّ العرب والمسلمين -بصفة عامَّة- قوم لا يحبُّون العمل، بل يفضلون عليه الكسل لأسباب دينيَّة!! مضافًا إليهما كشف الغرب لهم عن البترول الذي كان تحت أقدامهم قرونًا طويلة ولم يكتشفوه، وقد غضب كثيرون، حتى إنَّ أقوال رامسفيلد هذه عُرضت على بعض المؤسَّسات الدينيَّة الكبرى لترد التهمة عن الإسلام الذي اتهمه رامسفيلد بأنَّه يعلِّم الكسل؛ ولأنَّ قائل هذا القول رامسفيلد فإنَّ بعض الإعلاميِّين قد أغضبه ذلك، فأخذ يسب رامسفيلد ويشتمه، فهل كان ما قاله رامسفليد كله -بقطع النظر عن سياقه وعن نصوصه وألفاظه- تجنٍّ وظلم للعرب والمسلمين؟! أود أن أقول هنا: “قد يصدق الكذوب، أو: صدقك وهو كذوب”

أظنُّ أنَّ الرجل قال «كلمة حق»، بقطع النظر عن مراده بها، فلولا كسل المنتسبين إلى الإسلام -لا لأنَّهم مسلمون، بل لأنَّهم تجاوزوا الإسلام ولم يعودوا يتخذونه مصدرًا للسلوك- هل كان كسلهم تهمة يتهمون بها أم هو حقيقة ماثلة؟!

أظنُّ أنَّ المسلمين قد ضيَّعوا فرصًا كثيرة، لا لكسلهم وحده؛ ولكن للفرديَّة والأنانيَّة وفقدان ظاهرة بناء اللاحق على ما بنى السابق، ففي الوقت الذي كان الجغرافيُّون العرب والمسلمون قد بنوا فكرًا جغرافيًّا كان يمكن أن يؤدي إلى الكشف عن كثير من القارات وعُقد المواصلات والطرق البحريَّة؛ مثل: رأس الرجاء الصالح وغيره، لكن الخلف من المسلمين لم يبذلوا جهدًا يُذكر في استغلال ما أسَّس له الجغرافيُّون المسلمون.

وفي الوقت الذي كانوا يخوضون فيه الحروب الضروس -التي كانوا ضحيتها من قِبَل الصليبيِّين والتتار وغيرهم- كانت البذور الأولى لعلمائهم -حول السيمياء والكيمياء وصناعة الذهب والحديد والبارود- قد طرحت في المحيط العلميِّ الضيِّق، لكنَّها لم تجد مَنْ يُعمِّقها ويتبنَّاها ويبني عليها، حتى اكتشف الأوروبيُّون البارود وعقد المواصلات وكشوفاتهم الأخرى، فبدأ بعض الحكام المسلمين؛ أمثال سليم الثاني يحاولون اللحاق بالفارس الغربي الذي سبق إلى تلك الأمور، وهيهات أن يلحق المقلِّد بالمبدع حتى لو كان له أجداد مبدعون، وقد استمرت أوروبا تراكم على ما بدأته من إنتاج علمائها وأفكارهم، وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنَّهم تأثروا في سائر أطروحاتها تلك بالرياح التي كانت تهب عليهم من الجامعات الإسلاميَّة، ومن علماء المسلمين خاصة الرازي وابن الهيثم وابن سينا والكندي والفارابي ثم ابن رشد، وبعد ذلك ابن خلدون، رغم ذلك كله فإنَّ العرب والمسلمين لم يستطيعوا أن يبنوا على ذلك العلم والفكر الذي نشأ -أول ما نشأ- عن علمائهم وفي بيئاتهم، لكن ظاهرة البناء على ما يؤسس له أهل العلم يبدو أنها كانت غائبة.

وأراضي الكويت والعراق، والمنطقة الشرقيَّة في المملكة العربيَّة السعوديَّة كانت تسمى عند العرب المتقدمين بأرض القطران، وكانوا يستخدمون تراب أرض القطران أو طينها في معالجة الأمراض الجلدية التي تُصيب الإبل الجرباء وتصيب بعض البشر، ولكنَّهم لم يفكروا في القطران ذاته وما تحت الأرض منه، وهل يمكن استثماره، كما أمرهم القرآن، حتى جاء المستعمر الغربي الذي تعلم وعرف ما هو القطران؟ وأين يوجد؟ وأسَّس شركات التنقيب، وبدأ يستخرج البترول ليبني عليه حضارته القائمة -بكل عظمتها- فتحول بالنسبة للغربي إلى نعمة كبرى وبالنسبة إلى المسلمين إلى مزيج من نعمة ونقمة كبرى. أما النعمة: فما نستمتع به من تيسيرات الحياة، وأمَّا النقمة ففي جعل بلداننا وشعوبنا هدفًا لأعدائنا وللطامعين في ثرواتنا، وإلى يومنا هذا لم نستطع أن نمتلك مع البترول جميع وسائل صناعته وتكريره، ولم نستطع أن نعرف إلى هذا اليوم ما يمكن لمنتجات البترول أن تعمله، فأسرار ذلك كله عند الشركات الغربيَّة والشركات المتعدِّدة الجنسيَّات التي لا تجعلنا بأي حال قادرين على الاستغناء عنها بما لدينا، ولذلك فإن علينا ضرُّه ولهم نفعه، والأموال التي تجنيها بلداننا البتروليَّة من أثمانه كثيرًا ما تتحول إلى أسلحة تُقتل بها شعوبنا، وتُدمَّر بها إمكاناتنا.

بين فترة وأخرى تظهر دراسات تقدِّر العمَّال -من مختلف البلدان- بإنتاجهم؛ فتقول مثلا: العامل الياباني يمكن أن يعدل عشرة من العمال الأمريكان، وخمسة عشر من عمال تايوان، أو عشرين من الكوريِّين، وستين من العمال الباكستانيِّين، وقد يصلون إلى مائة وعشرين من بعض بلدان العالم الأخرى، وذلك من حيث قدرات العامل الإنتاجيَّة وكفاءاته الفنِّيَّة. لا يشكوا المسلمون من قلة، لأنَّهم يشكون من كثرة البشر في ديار المسلمين، حتى إنَّ بعض هذه البلدان صارت تشكو من زيادة عدد السكان، وتتخذ بعض الإجراءات لخفض ذلك العدد، في حين يتجه العالم كلّه إلى الاستثمار في الإنسان وإنماء كفاءاته ومضاعفة قدراته؛ لينتج أكثر مما يستهلك، حتى إن «ماوتسيتونج» -زعيم الصين المعروف- قيل له: لو قمنا بتحديد النسل؛ فموارد الصين لن تكون كافية للصينيين إذا استمرت معدلات زيادة السكان على ما هي عليه اليوم، فقال: لن أحدِّد النسل، ولن أوقف النموَّ السكَّانيَّ؛ لأنَّ الإنسان يولد ومعه أداة استهلاك واحدة هي الفم، وأربع أدوات إنتاج هما اليدان والرجلان، فإذن سوف يستهلك ربع ما يُنتج إذا علمناه كيف ينتج… ولكن لا مانع لدي من القيام بكل ما من شأنه تحسين النسل، والحصول على أجيال قوية قادرة على بعث وإحياء الحضارة الصينيَّة، وجعل الصين سيدة العالم من جديد، وها هم الصينيُّون لم تخلُ مدينة أمريكيَّة كبرى من مدينة صينيَّة صغيرة في داخلها، حتى صار مصطلح  «China Town» شائعًا جدًّا في أمريكا وأوروبا، والمطاعم الصينيَّة قد تكون أكثر عددًا من مطاعم  «Fast Food» في أمريكا، ودخلوا في جميع الصناعات.

وحين تستكمل الصين نموَّها التكنولوجي وخطط تنميتها، فلن يستطيع أحد الوقوف في وجه التنين الأصفر الصيني، لا في آسيا ولا في غيرها.

إنَّ هذه المقولات لا ينبغي أن تُزعجنا إلا لكي تدفع بنا نحو استكمال نواقصنا، وتجاوز تخلُّفنا، إنَّ هذا النقد لن يُضير الإسلام بشيء؛ لأنَّ الإسلام بريء من عيوب المسلمين، ولن يُضيره أن يُنتقدوا -بحق- على تخلُّفهم أو فرقتهم أو تخاذلهم أو شيوع الظواهر السلبيَّة فيهم، وانتقادات الخصوم ينبغي أن تُواجه وتُجابه بالأخذ بأسباب الانبعاث والشهود الحضاريِّ والارتفاع عن النقائص، لا بالاستعلاء الكاذب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *