Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

إجابة أسئلة د: زينب العلواني

بسم الله الرحمن الرحيم

إجابة الأسئلة التي وجهتها زينب

طه جابر العلواني

إبنتنا العزيزة د: زينب العلواني، السلام عليكم ورحمة الله تبارك وتعالى وبركاته، وبعد.

بادئ ذي بدء أرجو أن تقومي أنت ومن يهمه معرفة مشروعي لإنهاض الأمة بالقرآن المجيد بدراسة كل ما كتبته أو ألقيته في شكل محاضرات في هذا الموضوع بدءً بتلك المحاضرات التي جمع بعضها الدكتور عبد الجبار الرفاعي في الكتب التي نشرتها دار الهادي في بيروت وهي خمسة وبعضها ما يزال مخطوطا وأظن أن الأخ صابر يحتفظ بمجموعة منها وكذلك المحاضرات الصوتية، الأمر الثاني لابد من الاطلاع على ما نشرته مكتبة الشروق الدولية في القاهرة وما بدأت تنشره دار السلام وهي الكتب التالية:

  • القرآن وأزمة الإنسانية.
  • الجمع بين القراءتين.
  • الوحدة البنائية.
  • لسان القرآن.
  • نحو موقف قرآني من النسخ.

كما أن كتاب إشكالية الردة يعتبر من التطبيقات لهذا المنهج وكذلك معالم في المنهج القرآني الذي نشرته دار السلام وصدر قبل أسابيع،  وتحت الإعداد للطبع والنشر المحكم والمتشابه والتدبر وحوار مع القرآن، وقد أرسلت مسوّداتها إليك فيما أظن ويجري استكمال نواقصها وتقديمها للنشر فهذه تسع رسائل ستليها رسائل أخرى لابد من دراستها بعناية واستخراج خارطة فكرية لكل منها ترصد في تلك الخارطة أهم الأفكار التي تعرض كل من تلك الكتب إليها مع متابعة ما يصدر ومتابعة الموقع الذي يحمل اسمي وما سيوضع عليه من محاضرات في هذا المجال فيرجى الاطلاع بعناية على كل ما ذكرت كما أن ما نشرته دار الهادي تحت عنوان مقاصد الشرعية ونشر بعنوان التجديد في دار تنوير وضم مجموعة من المراجعات في الفقه والأصول والمقاصد تعد من مراجع هذا المشروع التي لا يستغنى عن الاطلاع عليها ودراستها بعناية وبالنسبة لغير المتخصصين أرى أن هذه الدراسات لابد أن تجري حولها مدارسات وتدار حول أفكارها وموضوعاتها ندوات وحلقات نقاشية لتتم الاستفادة بها بأفضل شكل فهي وإن بدت سهلة في لغتها أو مبسطة في أسلوبها لكن موضوعاتها المتخصصة تقتضي ما ذكرت بحيث تعامل وكأنها كتب تشرح بالطريقة التي ألفت في شرح وتعليم الكتب المنهجية.

أما سؤالكم عن كيف ومتى بدأت صلتي بالقرآن الكريم فصلتي قد بدأت به وأنا ما أزال صبيا لم أجاوز العاشرة وأنا أصلي مع أبي وعمي في المسجد وفي البيت وفي الصلوات الجهرية خاصة مثل المغرب والعشاء والفجر كنت أستمع للوالد -يرحمه الله- وهو يقرأ غالبا في الفجر بسورة طه التي كان يحفظها أو بسور أخرى قصيرة، وكذلك عمي الذي كان شغوفا بقراءة سورة التوبة في الفجر وغير ذلك من سور، علمًا بأنني قد بدأت تعلم القرآن في وقت مبكر ربما كان العام السادس من عمري حين أخذ عمي بيدي إلى الملا مشحن، ثم بعد ذلك إلى الملا سالم وقد تعرضت لذلك في تجربتي الذاتية في التعلم ودراسة العلوم الشرعية فصلتي بالقرآن الكريم بدأت مع بدء الحياة. كما لا أنسى ما كانت تقرأه الوالدة -يرحمها الله- في صلاة الفجر خاصة وتحرص على أن أكون بجوارها قبل أن أبلغ الخامسة من العمر أما اهتمامي بالدراسات القرآنية فلقد بدأ كذلك في وقت مبكر ربما ألمحت إلى بعضه في كتابي التعليم الديني بين التجديد والتجميد تجربة ذاتية فقد بينت في ذلك الكتاب أننا بدأنا دراسة علوم القرآن ونحن ما نزال على مقاعد الدرس في المدرسة الآصفية في الفلوجة على يدي شيخنا عبد العزيز سالم السامرائي فهناك عرفنا كتاب الإتقان في علوم القرآن والبرهان وبعض المتون الأخرى ذات العلاقة بموضوعات القرآن تاريخا وإعجازا وما إلى ذلك، علما بأن ما عرف بعلوم القرآن يشترك في دراسته المعنيون بعلم أصول الفقه ولا تخلو بعض الأبواب الفقهية من اهتمام بالكلام في بعض علوم القرآن مثل أسباب النزول والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والعام والخاص وما إلى ذلك. ولذلك فنستطع القول بأن هذا الاهتمام هو اهتمام مبكر بدأ مع بداية دراساتنا للعلوم الشرعية ونحن ما نزال في مدرسة الفلوجة وفي سن دون الرابعة عشرة. لعلي بهذا أجبت عن مضمون سؤالك الأول أما الدعوة إلى منهج للتعامل مع القرآن الكريم وربط مشروع إسلامية المعرفة به وبالدعائم الأخرى بحيث أصبحت دعائم ستة يقع مشروع بناء منهج للتعامل مع القرآن المجيد في مقدمتها فهو أمر قد تبلور عندي في وقت مبكر اقترن ببدأ اهتمامي بأسلمة المعرفة وجعل تلك الأسلمة منطلقا أساس لبناء مشروع نهوض إسلامي كامل يعيد الأمة إلى موقعها المناسب ويأخذ بيدها إلى حيث تستعيد مكانتها وتستأنف دورها في بناء الحضارة والمعرفة ولقد اكتشفت في وقت مبكر صعوبة ذلك لأن المسلمين بصفة عامة ينظرون إلى القرآن الكريم على أنه مصدر للأحكام الشرعية فقط وما بقي يوزعونه على مجالات الغيب والآخرة ومشاهد القيامة واستخلاص العبر والموعظة من القصص والأمثال وتلك الفكرة تشكل عقبة كبيرة أمام البحث عن المنهج القرآني الشامل ذلك لأنه قد استقر في العقل المسلم نتيجة لذلك التصور أن علم أصول الفقه وحده يمثل المنهج القرآني من تلك الحيثية وذلك الاعتبار إذ أن ذلك يعني أنه ما دام القرآن مصدرا للأحكام الشرعية فإن أصول الفقه يكون والحالة هذه هو المنهج الوحيد المعبر عنه والذي يمكن استنباطه من القرآن فكان لابد من جهاد فكري ونضال معرفي لإثبات قصور ذلك التفكير وتغيير تلك المسلمات بإثبات أن الأحكام لا تشكل من القرآن المجيد إلا جزء واحدا من اثني عشر محورا تناولها القرآن الكريم أو اشتمل عليها كما أن الأحكام نفسها لا تقتصر على ما صدر بأمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب بل إن في الأمثال القرآنية والقصص أحكام كثيرة كذلك فكان لابد من مواصلة الكتابة والمحاضرة لإثبات أن في القرآن منهجا علميا معرفيا شاملا يستوعب أصول الفقه ويتجاوزه ليتقبل العقل المسلم فكرة البحث عن المنهج القرآني المعرفي كما يبحث عن الشريعة في القرآن.

أما غير المسلمين فينظرون إلى القرآن الكريم مثل نظرتهم إلى الكتب الدينية الأخرى كالتوراة والإنجيل والزابور وصحف إبراهيم وموسى أنها كتب دينية لاهوتية تتعلق بالغيب لا بالشهادة ولا تشتمل إلا على ما له علاقة بالإيمان المجرد فهي تخاطب الوجدان والقلب لا العقل ولذلك خرج اليونسكو بذلك التعريف العجيب للعلم والمعرفة فقالوا: بأن المعرفة كل معلوم خضع للحس والتجربة، أما القرآن الكريم فلأنه في نظرهم كتاب ديني فلا يمكن أن يقدم منهجا أو محددات منهجية يستفاد منها في مجالات التجربة والمجالات الحسية فكان لابد أيضا من جهاد آخر يثبت لهؤلاء الناس أن الأصل الذي أسسه إبراهيم وقامت ملته عليه هو التجربة وقد قص الله –سبحانه وتعالى- علينا في سورة الأنعام وغيرها كيف نظر إبراهيم في الكواكب وفي النجوم من 74 إلى 79 من سورة الإنعام، وحواره مع الذي كفر قد اشتمل أيضا على ما يفيد الاهتمام بالتجربة وطلبه رؤية كيفية الخلق في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260) كل ذلك ينبه على أن التوجه القرآني المتصل بإبراهيم وملته هو توجه يحترم الخبرة والتجربة ويؤصل لها ويستند إليها في إثبات الغيب وأدلة التوحيد المبثوثة في القرآن المجيد كدليل الخلق ودليل الإبداع ودليل العناية وسائر الأدلة الأخرى كلها تستند إلى التجربة والخبرة وتجمع بين النظر العقلي والخبرة المكتسبة والاستنباط من التجارب والاعتبار بها واستفادة الدروس منها وذلك كله يجعل القرآن الكريم كتابا مختلفا من هذه الناحية عن سواه ويجعلنا قادرين على وصفه بأنه كتاب كوني قادر على أن يستوعب العلم والمنهج والمعرفة ويتجاوزها دون أن يهمل تعزيز ما هو صحيح وعلمي منها والتنبيه إلى زيف ما هو زائف من ذلك وبيان أوهام المنطق والعقل وأخطاء الحس وما سوى ذلك فهو كتاب كوني مشتمل على منهجية معرفية لا ينكرها إلا مكابر أو جاحد أو جاهل وقد حاولنا في سائر كتاباتنا التي طبعت والتي ما تزال تنتظر أن نبرز هذه الحقيقة ونعززها فبدأنا بالكشف عن بعض المحددات المنهجية وفي مقدمتها المحددات الكاشفة عن خصائص القرآن الكريم مثل الوحدة البنائية ولسان القرآن والمحددات الكاشفة عن الجانب العلمي والاتجاه المعرفي في كثير من آيات القرآن المجيد وفي مقدمة تلك المحددات الجمع بين القراءتين الذي أخرجناه من دائرة الفضائل إلى دائرة الاستخدام العلمي وبنينا على ذلك مواقف صلبة لمراجعة وتصحيح كثير من قضايا المعاصرة وقضايا التراث ومن تابع ما طرحناه في كتاباتنا ومحاضراتنا خلال السنوات العشرين الماضية يستطيع أن يلمس الكثير من هذه القضايا ويجدها مشروحة مبينة؛ ولذلك فإنني أؤكد على ضرورة دراسة ما أصدرناه في هذا المجال وما ألقيناه من محاضرات ودراسات فاحصة لاستخلاص تلك المحددات المنهاجية من ناحية ولرصد سائر الأفكار التي قدمت في هذا المجال لأن تناولها في مقابلات صحفية أو لقاءات قد لا يغني عن تلك الدراسات وقد لا يقدم لمتتبع الفوائد المطلوبة فلابد من عقد حلقات نقاشية حول  تلك الكتب والدراسات والمحاضرات يشترك فيها المعنيون في هذه المجالات من متخصصين أو راغبين في الاطلاع والمعرفة في هذه المجالات لتتبين لهم معالم هذا المشروع وكذلك لابد من التعريف بكل كتاب من تلك الكتب في المجلات العلمية والأكاديمية بشكل دقيق يلفت الأنظار إلى ما اشتملت عليه من أفكار وأطروحات.

 أما ما جاء في سؤالكم الرابع حول تعدد الاتجاهات في الدراسات القرآنية ووفرة الإنتاج فيها فإن أهم ما يمكن الاستفادة به من ذلك الانتاج الوفير هو إنتاج الراحل محمد عبد الله دراز –يرحمه الله- فهو الإنتاج الذي نستطيع أن نعتبره إضافة في قضية المنهج سواء كان في كتابه النبأ العظيم أو مدخل إلى القرآن الكريم أو رسالته القيمة دستور الأخلاق أما الآخرون فقد قدموا إرهاصات ومقدمات تنبه إلى كثير من مشكلات الموروث التي تحتاج إلى علاج وقد يكون تفسير المنار ومجلة المنار قد اشتملا على ملامح في هذا الصدد ولكن مشروع المنهج والمحددات المنهجية ما يزال في حاجة إلى بحوث ودراسات مباشرة في هذا المجال ومن علماء القارة الهندية يعتبر المعلم عبد الحميد الفراهي أبرز من قدم مساهمة جادة في مجال المنهج فيما كتبه في تفسيره وفي كتبه الأخرى لكن هذه الأمور وتلك الملامح ما تزال في حاجة إلى جمع ودراسات وبلورة لعلها تساعد بإذن الله على أن تضيف إلى ما بدأناه في مدرستنا الفقير إليه تعالى والراحلة الشهيدة منى وأبو القاسم ودراز والفراهي لكي تبرز معالم ذلك المنهج بشكل سليم والقراءة المتدبرة في كتابنا معالم في المنهج القرآني قد تكون كافية في إيضاح الحاجة الماسة والضرورية إلى البناء على ما شادته هذه المجموعة الصغيرة ولو بأشكال مختلفة ومن منطلقات متنوعة. والله أعلم.

فيما يتعلق بتدبر القرآن أحيلكم على دراستي التي لم تطبع بعد في التدبر ومداخل التدبر وشروط التدبر فهي وافية في بيان ما لديّ في هذا المجال وكما قلت إن التدبر فيه جانب ذاتي واسع قد يختلف فيه متدبر عن متدبر آخر كما أن فيه قواعد مشتركة ودراستي في التدبر حاولت أن أجعلها جامعة لهذين الجانبين فقد بينت فيها بعض المشترك كما أوضحت فيها تجربتي الذاتية وشجعت من يرغب باستخدام أيٍ من المداخل الثمانية التي ذكرت أو أية مداخل أخرى لم أذكرها للوصول إلى تدبر سليم.

بالنسبة إلى سؤالكم السادس حول سنن الاجتماع البشري هناك دراسات عديدة لعل أهمها ما قدمه رواد حركات الإصلاح من الأفغاني والكواكبي ومحمد عبده وإقبال وغيرهم وحاول كتّاب كثيرون إفرادها بالبحث والدراسة منهم بعد الشيخين محمد عبده ورشيد رضا والمعلم الفراهي ثم المودودي ومالك بن نبي وسيد قطب وعلي شرعتي وابن باديس والشيخ الغزالي ثم من سار على نهجهم وجمع بعض ما فرقوا مثل عبد الكريم زيدان ومحمد هيشور وغيرهما ومحمد الصادق عرجون وجودة سعيد وعبد الله التليدي وفايز الخطيب وغيرهم، فكل هؤلاء قد كتبوا في السنن الكونية والسنن الاجتماعية وسنن الأنفس كما في كتاب جودة سعيد سنن الله في الآفاق والأنفس وهكذا وكل هذه الكتب والدراسات لم تستغرق ما في القرآن من سنن وهي كثيرة منها قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) وقوله: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:81) وقوله: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(القصص:83) وقوله: (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105) وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ)(الأعراف:94) وقلّ أن نجد سورة واحدة من سور القرآن لم تتعرض إلى سنة من سنن الله في الأنفس أو في الكون والآفاق أو في الاجتماع أو في المدن والقرى مما يحتاج إلى دراسة متدبرة في القرآن كله لاستخلاص تلك السنن ومعرفة أبعادها وكيفية التعامل معها لتسخير ما هو مهيأ للتسخير وللتوافق مع ما هو مهيأ لذلك بإذنه تعالى، أما تحديد المعالم المنهجية فإنه يتوقف على معرفة بالسنن بأنواعها واطلاع على التاريخ وحسن استخدام للمناهج المعرفية بحيث يتبين الباحث الفاحص ما هو متكرر بالفعل أو قابل للتكرار ليحكم عليه بأنه قد دخل مجال السنن التي لا تتبدل ولا تتغير.

أما سؤالكم السابع حول الدراسات الأكاديمية في الغرب للقرآن المجيد فإنها في حاجة إلى مراجعة كما أشرت سابقا تقنع الأكاديميين الغربيين بكونية القرآن الكريم والفروق بينه وبين الكتب التي خاطبت أقوام بأعيانهم في محيط جغرافي محدد وإطار بشري محدود كذلك إذ قبل أن يقتنعوا بهذا لن يكون سهلا إقناعهم بتغيير مناهجهم في دراسة القرآن الكريم بالأساليب نفسها التي يدرسون بها ما يطلق عليه الكتب المقدسة أو الكتب السماوية ومشروعنا القرآني يستهدف إقناع المسلمين وغيرهم بكونية القرآن الكريم وعالمية خطابه للأسرة الإنسانية الممتدة في جميع مناطق الأرض وسائر أنحائها وقد يساعد مشروعنا لو ترجم الأكاديميين المعتدلين على تغيير نظرتهم تلك واكتشاف الجوانب التي نؤكد عليها انطلاقا من إيماننا بكونية القرآن المجيد فيها.

أما السؤال الثامن حول الحوار بين الأديان فإننا نرى أن حجر الزاوية في مشاريع الحوار ينبغي أن ينطلق من البحث عن الكلمة السواء التي يفترض أن لا يختلف مواقف الأديان منها وهي التي وردت في قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64) وهذه دعامة أساسية لا يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها في أي حوار يراد له أن يكون ناجحا يقرب أعضاء وأبناء الأسرة البشرية من بعضهم، الأمر الثاني إضافة إلى الكلمة السواء الاتفاق على القيم العليا المشتركة التي جاءت بها الأديان كافة وهي التوحيد والتزكية والعمران وصيانة هذه القيم وحمايتها والتمسك بها وتجاوز كل ما من شأنه الإخلال بها، الأمر الثالث استعادة المنظور الإبراهيمي الذي أكده الأنبياء والرسل كافة وهو وحدة البشرية في أسرة ممتدة كلكم لآدم وآدم من تراب، تؤمن هذه الأسرة الممتدة كلها بأن الأب واحد والرب واحد والمبدأ واحد والمعاد والغاية واحدة. كما تؤمن بأن الأرض كلها بيت واسع للإنسان كاف للبشرية كلها أودع الله فيه من الأقوات وسائر ما يحتاجه البشر ما هو كاف للأسرة البشرية الممتدة كلها، وأنه إذا بدى هناك نقص أو اختلال فبما كسبت أيدي الناس وبتسلط القوي على الضعيف وبظهور الانحرافات الأخلاقية والجشع والطمع وتفضيل فائض القيمة على الإنسان فذلك هو الذي أفسد على البشر حياتهم ولن يعود الصفاء والنقاء إلى الأرض ما لم تعالج هذه القضايا بما ذكرنا ومشروعنا القرآني إذا تمت ترجمته إلى لغات الآخرين وشاعت أفكاره بينهم فإنه بإذن الله سوف يحقق نقلة هامة في هذا الاتجاه، وشكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *