أ.د/ طه جابر العلواني
المدخل الثاني: المراجعة في ضوء القرآن المجيد باعتباره المصدر المنشئ للعقيدة والشريعة
مراجعة العلوم النقلية على القرآن المجيد، باعتباره المصدر المنشئ للعقيدة والشريعة؛ لتحديد صلاتها وعلاقاتها بالقرآن أصولاً وقواعدَ وكليّاتٍ وجزئيّات، فللقرآن المجيد – كما تقدم- مقاصده العليا الحاكمة، وكليّاته، وسننه وقوانينه، ومحدِّداته المنهاجيَّة، وخصائص فهمه وفقهه ومحاوره، وخصائص شريعته، وسننه في بناء العلاقات المتنوعة، ومنهجه في نظم وسنن قيام الأمم والحضارات وقوانين تراجعها، فإلى أيّ مدى اعتمدت هذه العلوم في نشأتها وصيرورتها وتطورها وتكوين مسائلها على القرآن المجيد؟!
ويؤكد القرآن الكريم على «الجمع بين القراءتين» قراءة الوحي بالكون، وفهم أبعاده وسياقاته به، وقراءة الكون بالوحي لفهم علاقاته وسننه وقوانينه، والجدل الذي يدور بينه وبين الإنسان والغيب، وكل ما هو هام لتحقيق مهمة الاستخلاف الإنسانيّ والعمران الكوني، كما أنَّ القرآن يذكر دائمًا بضوابط «المعرفة العلميّة»، والفرق كبير بين أنْ نعتمد في إنشاء معارفنا على القرآن ومنهجه وبين أنْ ننشئ تلك المعارف ثم نعضدها بشواهد قرآنية.
المدخل الثالث:المراجعة في ضوء مقومات العصر النبوي
أنْ تُراجع تلك العلوم في ضوء مكونات ومقوّمات العصر النبويّ، باعتباره عصر التلقي والتطبيق، بمنهج يقوده الوحي ويسدّد حركته في الحياة بالتوجيه الإلهيّ الذي شكّل السيرة والسنَّة المطهرة.
المدخل الرابع: المراجعة في ضوء المبادئ العشرة
أنْ تُراجع تلك العلوم في ضوء مبادئها العشرة ([1]) التي حدَّدها لها علماؤها، لمعرفة مدى انضباطها بتلك المبادئ، وهل حدثت في مسيرتها انعطافات عن تلك المبادئ؟ وما تلك المنعطفات؟ فذلك يمكننا من تحديد ما ينبغي علينا أنْ نوليه عناية أكبر عند المراجعة.
المدخل الخامس: المراجعة في ضوء آثار تلك العلوم في الواقع
أنْ تُراجع تلك العلوم في ضوء آثارها الايجابيَّة والسلبيَّة في الواقع بكل مكوناته وعناصره، أيّ آثارها في الثقافة والحضارة والفكر والتصورات، والفاعليَّة والدافعيَّة والإرادة في ضمير الأمَّة. ودورها في حماية الحريّات وتدعيم وحدة الأمَّة، وإيجاد القنوات اللازمة لاستيعاب القوى والطاقات الجديدة التي يفرزها المجتمع([2]).
المدخل السادس: المراجعة في ضوء الفاعلية في معالجة قضايا الأمَّة
أنْ تُراجع تلك العلوم في ضوء فاعليَّتها في معالجة قضايا الأمَّة، ومدى قدرتها على تطوير مؤسساتها.
المدخل السابع: المراجعة في ضوء الاستقامة العلميّة
أنْ تُراجع العلوم النقليَّة في ضوء الموضوعيَّة والحيدة والاستقامة العلميّة،ومدى تحقُّقها فيها، ونسبة الذاتيّ والمعرفيّ والمنهجيّ فيها، ومدى قدرة مسائلها وقضاياها على بلوغ مستوى العلميّة، والقدرة على استيعاب المستجدات ومعالجة الجديد من المشكلات.
المدخل الثامن: المراجعة في ضوء نوع العقل الذي صيغت بتأثيره
أنْ تُراجع تلك العلوم في ضوء الصياغات العقليَّة، وتحديد نوع العقل الذي أثّر في صياغتها، أهو العقل الفطريّ أم العقل الوضعيّ أم العقل الموضوعيّ أم العقل العلميّ أم العقل الاجتهاديّ أم العقل الاستنباطيّ أم العقل التقليديّ؟!
المدخل التاسع: المراجعة في ضوء القابلية للنقد المنهجي
أنْ تُراجع تلك العلوم – أيضًا- في ضوء قدرتها على تقبُّل النقد المنهجيّ وصمودها أمامه، وقابليَّتها للانضباط بالمناهج المتطوّرة والاستفادة بها، والثبات عند العرض عليها.
المدخل العاشر: المراجعة في ضوء القدرة على التجدد الذاتي
أنْ تُراجع تلك العلوم – كذلك- في ضوء قدراتها على التجدُّد الذاتيّ في أصولها وفروعها ومسائلها، أو قبول التجديد عندما تتعرض له، ومدى قدرتها على استيعاب المستجدات من القضايا والمسائل والمناهج والنماذج المعرفيَّة، وقدراتها الكامنة التي يمكن أنْ تُسهم في هذا التجدد؟ وهل يمكن أنْ تتوقّف هذه العلوم عند مستوى معيّن؟.
هذه المداخل أو المبادئ المعرفيَّة تستطيع أنْ تُشكل أسسًا لبناء «علم للمراجعات» حيث يمكن أنْ يتشكل من المعايير والموازين السابق تفصيلها، بالإضافة إلى أية معايير أخرىٰ يُمكن أنْ تُكتشف في عمليّات المراجعة.
فلا بد لمَنْ يقوم بهذه المراجعات أنْ يكون ذا علم بالقيم القرآنيَّة، والكليَّات القرآنيَّة، والمقاصد القرآنيَّة العليا الحاكمة، وسنن القرآن الكونيَّة والاجتماعيَّة وقوانينه، والمفاهيم القرآنيَّة وما يُطلق عليه البعض«النظريّات القرآنيَّة»، وكيفيّة التعامل مع المحدّدات المنهاجيَّة القرآنيَّة، ومنها: «الوحدة البنائيَّة» و«الجمع بين القراءتين» و«التصديق» و«الهيمنة» و«الاستيعاب» و«التجاوز».
وهذه المداخل والمبادئ التي ذكرناها لا تعتبر نهائيّة – كما أشرنا- إذ يمكن الإضافة إليها أو إدخال تفصيلات عليها، وذلك شأن العلوم في بدايتها، تحتاج إلى كثير من المرونة والانفتاح إلى أنْ يجري تداولها بين المختصين وتنضجها أقلامهم ومداولاتهم؛ لتستوي على سوقها وتتكامل في بنائها بعد أن تنضجها حوارات العلماء وجهودهم ومراجعاتهم وإضافاتهم.
(14) هي الحد والموضوع والغاية والمصادر والموارد والمسائل وحقيقة العلم، ومرتبته بين العلوم، وشرفه واسمه.
(15) وهذا يجعل عملية المراجعة عملية معرفية منهجية تحتاج إلى فرق بحثية جماعية، تضم علماء في مختلف التخصصات، إذا أريد لها الدقة والنجاح.