أ.د/ طه جابر العلواني
صعوبة التأكد من صحة الأحاديث، مقارنة بتيسير القرآن:
إن الناس تستسهل رواية الأحاديث، وتظن أنها أيسر وأسهل من تلاوة القرآن المجيد، لما اتهموا القرآن به بأنه حمال أوجه، ومستوى لغته متحد ومعجز، ونصوصه متناهية، ووقائع الناس غير متناهية، وأن سوره وآياته مهما كان بينها من التناسب فإن من الصعب إيجاد وحدة موضوعية بينها، إلى غير ذلك من هراء.
ولو نظروا في الأحاديث وتحروا الدقة في إثباتها لوجدوا أن الجهد الذي يحتاجه المنصف للقول بصحة إسناد من عدمه أو صحة حديث من عدمه يحتاج إلى شهور من الجهد المتنوع المتصل، لإثبات ذلك الحديث، فإن التثبت يقتضي أن لا يروي الراوي حديثا لم يثبت عنده باجتهاد في إثبات سنده ومتنه، وإلا كان مقلدا في ذلك كله:” .. وثبوت ذاك القول عن ذاك الصحابي يتوقف على ثقة رجال السند إليه، والعلم بثقتهم يتوقف على توثيق بعض أئمة الجرح والتعديل لكل منهم، والاعتداد بتوثيق الموثق يتوقف على العلم بثقته في نفسه وأهليته، ثم على صحة سند التوثيق إليه، وثقته في نفسه تتوقف على أن يوثقه ثقة عارف، وصحة سند التوثيق تتوقف على توثيق بعض أهل المعرفة والثقة لرجاله، وهلم جراً.
والسعي في توثيق رجل واحد من أولئك بغير حق أو الطعن فيه بغير حق سعيٌ في إفساد الدين بإدخال الباطل فيه، أو إخراج الحق منه ..”[1].
إذن فهو أمر خطير لا ينبغي التقليد فيه والاستناد إلى ما اشتهر به مؤلفوا كتب الحديث من عدالة أو غيرها، وهنا تصبح الحاجة أكثر من ضرورية لإيجاد وسيلة للتدليل على صحة الحديث تدعم الرواية، وتعضد منها، وتزيل التساؤل حولها، وهنا يقف القرآن شامخا ليصدق ويهيمن على كل ما يروى متفقا مع كليات القرآن، وعموماته، وظاهره، والأصول والمقاصد التي جاء بها؛ ولذلك فإن الشاطبي –رحمه الله- كان موفقا حين قال: رتبة السنة التأخر عن الكتاب في الاعتبار، واستدل على ذلك بأمور:
أحدها: أن الكتاب مقطوع به، والسنة مظنونة، والقطع فيها إنما يصح في الجملة لا في التفصيل، بخلاف الكتاب، فإنه مقطوع به في الجملة والتفصيل، والمقطوع به مقدم على المظنون، فلزم من ذلك تقديم الكتاب على السنة.
والثاني: أن السنة إما بيان للكتاب –أي تطبيقي وعملي أو زيادة على ذلك- فإن كان بيانا فهو ثان على المبين في الاعتبار، إذ يلزم من سقوط المبين سقوط البيان، ولا يلزم من سقوط البيان سقوط المبين، وما شأنه هذا فهو أولى في التقدم، وإن لم يكن بيانا فلا يعتبر إلا بعد أن لا يوجد في الكتاب، وذلك دليل على تقدم اعتبار الكتاب.
كما قال –رحمه الله- في المسألة الثالثة من مسائل السنة: السنة راجعة للكتاب … فلا تجد في السنة أمرا إلا والقرآن قد دل على معناه دلالة إجمالية أو تفصيلية، فالقرآن كلية الشريعة وينبوعها؛ ولذلك فينبغي أن يؤخذ بمنتهى التحفظ قول من صاغ إن السنة قاضية على الكتاب، كما نتحفظ على ما نقل عن الأوزاعي من قوله: “الكتاب أحوج إلى السنة من السنة للكتاب””[2]؛ لذلك فإن الإمام أبا حنيفة –رحمه الله- حين روي له حديث “إن المؤمن إن زنا خلع الإيمان من رأسه كما يخلع القميص، ثم إذا تاب أعيد له إيمانه” فرفض ذلك، وبين أن من لم يكفر بالله ولا برسوله ولا بكتابه وارتكب شيئا من المحرمات فقد ينسب إلى الفسق بذلك، ولكنه لا ينسب إلى الكفر، فقال له أحدهم: حين تقول ذلك فإنهم يقولون بأنك تكذب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال –رحمه الله- أكذب هؤلاء –يقصد الرواة- ولا يكون تكذيبي لهؤلاء وردي عليهم تكذيبا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنما يكون التكذيب لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقول الرجل: أنا مكذب لقول نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأما إذا قال الرجل: أنا مؤمن بكل شيء تكلم به النبي (عليه الصلاة والسلام) غير أن النبي، صلى الله عليه وسلم لا يتكلم بالجور، ولم يخالف القرآن، فإن هذا القول منه هو التصديق بالنبي وبالقرآن وتنزيه له من الخلاف على القرآن. ولو خالف النبي القرآن. وتقول على الله غير الحق لم يدعه الله حتى يأخذه باليمين، ويقطع منه الوتين، كما قال الله عز وجل: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ، لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} 1، ونبي الله لا يخالف كتاب الله تعالى، ومخالف كتاب الله لا يكون نبي الله … فرد كل رجل يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف القرآن ليس ردًّا على النبي عليه السلام ولا تكذيبًا له ولكن رد على من يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالباطل والتهمة دخلت عليه، ليس على نبي الله عليه السلام. وكذلك كل شيء تكلم به النبي، صلى الله عليه وسلم سمعنا به أو لم نسمعه فعلى الرأس والعين قد آمنا به ونشهد أنه كما قال نبي الله عليه السلام، ونشهد أيضًا على النبي عليه السلام أنه لم يأمر بشيء نهى الله عنه ولم يقطع شيئًا وصله الله ولا وصف أمرًا وصف الله ذلك الأمر الذي بغير ما وصف به النبي، ونشهد أنه كان موافقًا لله في جميع الأمور، لم يبتدع، ولم يتقول على الله غير ما قال الله عز وجل ولا كان من المتكلفين، ولذلك قال الله (تعالى): ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه ..﴾(النساء: 80).
[1] انظر: التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، تحقيق، علي بن محمد بن عمران، و محمد أجمل الإصلاحي (مكة، دار الفوائد، 1434ھ) ط1، ج1، ص5:6.
[2] راجع مباحث السنة في الموافقات للشاطبي.
ارجو کتب دکتور طہ جابرالعلونی
ستجدها بالكامل على الموقع
ستجدها كاملة على الموقع في قسم أرشيف الدكتور طه
تفسیر القران بالقران ۔۔۔ھوتفیسر جیداجدا ۔۔۔
رزقنا الله وإياكم العلم النافع