Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

تجديد الخطاب الديني

أ.طارق حجي

مقصودنا بالخطاب الديني، هو مجمل الأفكار الرئيسية والآليات المعرفية الحاكمة لإنتاج مجموعة من المعارف في فترة ما، والخطاب الديني الذي نتحدث عن تجديده، هو مجمل هذه الأفكار والآليات الحاكمة لإنتاج مدونات الفقه والتفسير على طول تاريخنا، والتي نشأت حول النص الأصلي، فيخرج من الخطاب المراد التعرض له هنا، النص الأصلي الحاكم على كل الخطابات من موقع الأصلية والحاكمية والهيمنة.
و محاولة تجديد هذا الخطاب تتطلب تحديد لمنطلقات وأهداف التجديد والقيم الحاكمة له كخظوة أولى رئيسة.

تاريخ الإصلاح الديني

دوما ما نبتديء التأريخ للإصلاح الديني من أواخر القرن التاسع عشر، لنجعل خطاب محمد عبده عنوانا لهذا الإصلاح، مشكلة البدء من هذه النقطة بالذات، أنها تبدأ متأخرة كثيرا عن مراحل ثبت أنها شهدت محاولات للإصلاح الديني، فنحن لو رجعنا للوراء قليلا سنجد في محاولات العطار شيخ الأزهر وشيخ رفاعة الطهطاوي محاولات عدة للإصلاح الفقهي بل والكلامي ومحاولة لفتح الطريق لتقبل العلوم الحديثة، هذا يخرج بمحاولة الإصلاح الديني من ما توصف به دوما حين تحصر بعبده بإنها مجرد انزواء للمجتمع بعد فشل الحل السياسي، حيث إصلاح عبده جاء في أعقاب فشل ثورة عرابي وبعد تغير موقفه منها ورجوعه من منفاه يحمل كثيبر من شبهات تدخل المندوب السامي، فلو افترضنا في هذا ما يجعل إصلاح عبده تراجعا عن حل ثبت عدم جداوه، فهذا لا ينطبق على محاولة العطار، غير أن محاولة العطار نفسها تعتبر نقطة متأخرة للبدء أيضا، حيث أن إصلاح العطار ينطبق عليه ملاحظة الجابري عن كون أفكار الدفاع عن التقليد والدفاع عن المعاصرة أو التوفيق بينهم لم تكن أفكارا طرحها الواقع الفكري الداخلي للإسلام بقدر ما كان استجابة لتغييرات واقعية تمت بعد إدخال التنظيمات في الخلافة الإسلامية، أو ما شاببها من إجراءات قام بها محمد علي، فبعد واقعة الازداوجية التي خلقها زرع تنظيمات حديثة في قلب المجتمع التقليدي، قام العلماء المسلمون بمحاولة تجاوز هذا الإزدواج، تأتي هنا محاولة العطار أن يرسل رفاعة لنيل حظه من علوم الغرب، فيستطيع بهذا أن يحوز شيخ أزهري مقاليد التقليد والحداثة، المكون الذاتي ومعاصرة الواقع.
لذا فكل هذه المحاولات تعطي طابعا بأن الإصلاح في الإسلام دوما ما يكون خارجيا، تحفزه وقائع السياسة أو صدمات الغزو، مما يجعل هذا الإصلاح إمكانية في الإسلام وليس قانونا ذاتيا له القدرة على الحركة من تلقاء ذاته.
لذا حاول البعض مثل فهمي جدعان، التنبيه على كون الإصلاح في الإسلام لم يكن جديدا كما يتصور، بل إن الإصلاح والتجديد في الإسلام هو فعل دائم تدل على رسوخه قبول المخيال الإسلامي لحديث المجدد على رأس مائة، مما يعني قبول ضمني لضرورة التجديد.
و بعيدا حتى عن وقائع تاريخية كثيرة ترينا محاولات للتجديد على مستوى الفقه والمقاصد والكلام، إلا أن فهما داخليا بنية الإسلام كافي لاكتشاف أن الإصلاح سمة رئيسة في هذا الدين تمثل عنصر أصيل يعطي له القدرة على التجديد الدائم، فالإسلام بإعتباره آخر رسالة من الرسالات الإبراهيمية يصر على كونه عودة إلي إبراهيم الحنيف، عودة تصلح وتحكم وتهمين على الانحرافات التي أصابت هذا الأصل عبر الابتعاد عن مشكاته بالنسيان وتراكم الأوقار والأغشية، فليس الإسلام بهذا سوى نزع الأغشية، النزع الدائم لأغشية ترين فتحجب صفاء الرسالة الأولى، التي هي ذاتها ليست سوى محاولة التذكير بالعهد المنسي من قبل أبناء آدم.
من هنا يكون الإصلاح خصيصة رئيسة لا يمكن التنكر لها دون أن يكون في هذا تنكر لما يشكل جوهر هذا الدين، أهمية هذه الرؤية تأتي من أنها تعيد صياغة ما يمكن أن نعتبره مجمل استراتيجية الإصلاح، أي منطلقاته وأهدافه وآلياته، تعيد صياغتها بحيث تخلصها من ضرورة الانبناء داخل داخل أهداف أجندة الواقع السياسي أو الخلافات الاستشراقية حول الإسلام.

فحين نعتبر أن الإصلاح يتم في الإسلام كأحد خصائصه، تصبح منطلقات هذا الإصلاح كامنة دوما فيه، في الإيمان بأن الأصل عصي على أي استنفاز لممكناته،  وتصبح أهدافه هي العودة للأصل من أجل اكتشاف ما لم يكتشف بعد فيه، إيمانا بصلاحيته لكل زمان ومكان.

الإصلاح في بدايات القرن التاسع عشر في مصر
_____________________________

في بدايات هذا القرن، لم يكن الاحتلال البريطاني قد توغل فقط في الأراضي المصرية، بل كان يحاول إعادة رسم تاريخ هذا البلد بما يجعله تاريخ يصل بكل خطية لواقعية واقعة الاستعمار وضرورتها، فتم تشخيص الوضع كاستعمار والحال كعدم قدرة على النهوض والعلة في الدين الذي يحمله هؤلاء الأفراد، في هذا السياق نقرأ كتابات اللورد كرومر والوزير هانوتو عن الإسلام بإعتباره دين يؤمن بالجبر والخرافة ويرفض العلم ويقف بحكم طبعه البدوي ضد المدنية.
شكلت قائمة الاتهامات هذه المكتوبة من موقع المدير الفعلي للبلاد، الأرضية التي قام خطاب الإصلاح بالانبناء فوقها، فكانت مهمة هذا الخطاب هي إثبات عكس ما يقوله المتهِم، وإبراز كيف أن الإسلام بطابعه دينا للعلم والتقدم والمدنية والدنيا، بل حاول أحيانا قلب الطاولة، كذا فعل عبده مع هانوتو حين اعتبر المسيحية لم تتحول لدين يهتم بالعالم الأرضي وبالعلم إلا بعد العودة إلي شكل المسيحية الأول في إصلاح لوثر، وهي المسيحية الأقرب للإسلام، من هنا تثمين خطاب الإصلاح من عبده في أم القرى لمالك بن نبي لتجربة الإصلاح اللوثري، أو ما يسميها بن نبي بالولادة الروحية الأولى المتأخرة للمسيحية.
انبني هذا الخطاب داخل السؤال الذي صاغه الأمير أرسلان لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم، دونما سؤال عن معنى التقدم والتأخر ولا سؤال عن طبيعة العلم الغربي الذي ظل التعامل معه غامضا ما بين رفض جزئي لبعض النظريات مثل موقف الأفغني من داروين أو قبول لشيء مبهم يسمى العلم التجريبي دون قراءة أكثر تمحيصا لماهيته، وربما ما حدث بعد عقود من أزمة كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي وكذلك كتاب علي عبد الرازق عن الخلافة واللذين استخدما أصل المنهج الحديث، شكية ديكارت ووضعية بيكون -نقصد اعتماده في قراءة الخلافة على الوقائع التاريخية دون مسائلة النصوص-، لتعبر عن أن تعامل المصلحين مع العلم لم يكن قارا ولا ثابتا ولا محدد المعالم  وهذا بسبب من ظرفيته وكونه أقرب لرد الفعل تجاه اتهامات المستعمر وترسانته الاستشراقية من كونه قراءة لممكنات الأصل الإسلامي.
و من تلك الأمور الناتجة أيضا عن هذا الانبناء فوف صفحة نص الاستشراق هو إدانة الاتجاهات الروحية وصياغة إسلام عقلي وقصر الإصلاح على العقل دون الوجدان مما ينتج عنه انهيار للتوازن ليس انبعاث التعلق الصوفي بالرموز السياسية والطائفية فيما يقول غليون أسوء نتائجه.

يذكر عبد الجبار الرفاعي أن أفكار الإصلاحات السياسية قد انتقلت من مصر والخلافة العثمانية لإيران، وكذا جاء في إثرها نفس الخلافات، ولم تخرج الآليات المستخدمة في صياغة الإصلاح وتحديد منطلقاته وأهدافه عن الأمر في مصر نتيجة التحرك في نفس إطار الانبهار بغرب ظهر فجأة حائزا من القوة ما كان فوق خيالات رجال هذا الزمان.

ما نرومه ها هنا هو محاولة إعادة صياغة المنطلقات والأهداف التي ينطلق منها الإصلاح الديني، عبر إبراز أهميته الملحة كخصيصة إسلامية تمكن هذا الدين من الإستمرار في الزمان والانتشار في المكان والحركة الذاتية الدائمة التي لا تتوقف يوما، وتحدد القيم الرئيسية التي يتم في ضوئها هذا التجديد.

منطلقات التجديد وقيمه

نستطيع أن نعتبر منطلقات التجديد هي السمات التي يقمدها الإسلام عن موقعه بين الاديان، فلإن الإسلام يتسم بالشمول والعالمية والخاتمية، فإن هذه السمات تفتفرض التجديد الدائم والإصلاح المستمر لما يلحق بهذا الدين من شوائب تحوله من العالمية للقومية، ومن الشمول للمحلية، وتضيع حكمة خاتميته الكامنة في صلاحيته الكاملة لكل زمان ومكان عبر الاستضاءة المستمرة الأصل العصي على استنفاز.
و إذا كانت القيم الرئيسة التي وضعها خطاب الإصلاح لنفسه من أجل إصلاح الإسلام في ضوئها هي، التقدم والعلم الطبيعي والمدنية، دونما قراءة متأنية لهذه القيم كما قلنا، فإن الاانطلاق من قيم مصدرها استبطان القرآن ذاته سيكون له أن يتفادى مثل ما ذكرناه آنفا من أخطاء.
فمن الممكن أن نصيغ القيم التي يتم فيها الإصلاح على إنها، الجمع بين القرائتين والعمران والتزكية، فبالجمع بين القرائتين نكون قد أسسنا قاعدة قرآنية ينبني عليها العلم بالكون ويخرج به عن الفلسفة التي انبنى عليها غربا، فالجمع بين القرائتين

يجعل الكون المقروء آية، في حين يجعله العلم الغربي محض مادة ممتدة في زمان ومكان لا تحيل لشيء خارجها ولا تتغيا سوى كشف قوانين محايثة تفيد في الاستخدام الآلي لها.
كذلك فإن مبدأ العمران كأحد المبادي العليا الحاكمة في الإسلام، يستطيع أن يتجاوز ما يتعلق بأفكار التقدم والمدنية من انفلات عن القيم الآلهية الحاكمة، ويبعد بهذه الأفكار عن ما يبطنها من تمركز حول الإنسان وقيمه الدنيونية ويفتحها على آفاق أكثر اتساعا واتصالا بالعهد الإلهي.
كذا فإن مبدأ التزكية يعد شديد الأهمية كنبراس في كل محاولة إصلاح، حيث يحمل التشديد على أن الإسلام ليس مجرد دينا للعقل،ـ لو كان هذا لكان ينقصه الكثير، بل هو دين يهذب الروح والسلوك ويغني الباطن الداخلي للإنسان كما يغني خارجه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *