Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

أحكام البناء في الإسلام

أ.د/ طه جابر العلواني

 

قد يتوهم البعض أن البناء وأحكامه قضية هندسية محضة ولا شك أن فيها جانبًا كبيرًا للهندسة ولكن الإسلام انطلاقًا من تصوره ومنظوره الحضاري جعل للبناء أحكامًا بعضها تأخذ حكم الوجوب وبعضها يأخذ حكم التحريم وسائر الأحكام التكليفيَّة الأخرى؛ وذلك لأن تصميم البناء له آثار كبيرة على السلوك الإنساني.

ولقد كتب كثيرٌ من فقهائنا كتبًا في هذا النوع من الأحكام كانت تعرف بأحكام البناء حيث يوجبون فيها أن لا يكون البناء كاشفًا للعورات أو مخلاً بحق الخصوصية، أو مسببّا ضررًا لآخرين وقد اشتهر أحد الفقهاء التونسيين قبل قرون بالكتابة في هذا الجانب من الفقه وعُرف بابن البنَّاء.

تعالوا بنا نستعرض بعض توجيهات القرآن وأحكام الفقه في البناء والتي كانت حيّة في مدينتنا الإسلامية:

أثر التوجيهات القرآنية والأحكام الفقهية على التخطيط للمدينة وعلى تكويناتها المعمارية:

تجسدت هذه التوجيهات القرآنية والأحكام الفقهية في المدينة الإسلامية واقعيًّا في تاريخنا في التالي:

  • أحكام الستر وحفظ الخصوصية:

﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النور: 27)

كما أنّ فرض الحجاب على النساء يستلزم أهمية زائدة للخصوصية في التصميم.

  • جعل الطرق الخاصة طرق ملتوية وضيقة وجعل الطرق العامة طرق متسعة ومستقيمة.
  • تحديد مواضع أبواب الدور بحيث يُمنع تواجهها، وتفضيل وجود الفناء في وسط الدار لتطل عليه الدار بمنافذها.
  • تكثيف بناء المنشآت التجارية من حوانيت وغيرها في الشوارع المتسعة الرئيسة، ومنع بنائها في الشوارع الضيقة ذات البيوت المتلاصقة.
  • اتخاذ قاعات الاستقبال تصميمًا معينًا يساعد على توفير الخصوصية والعزل بين الرجال والنساء، وكذلك وُجدت الممرات البديلة التي يستخدمها أهل الدار عند وجود غرباء دون الاضطرار إلى المرور في الممرات التي أمام مجالسهم.
  • أحكام منع الضرر (القاعدة الفقهية لا ضرر ولا ضرار)
    • أثَّرت في بناء الأسواق، حيث تحددت نوعية المتجاور من السلع بحيث لا يضر بعضها بعضًا (مثلا: لا يتجاور الحدادون بجانب العطارين).
    • تجنب مصادر التلوث البيئي: تجنب المصادر المولدة للأدخنة، والروائح الكريهة ومصادر التلوث الصوتي.
    • ارتفاعات الدور منخفضة ومتقاربة بحيث لا تتعدى على الخصوصيات ولا تمنع البنايات المتقابلة الشمس والهواء النقي عن بعضها.
  • أحكام تحريم الخمر والرقص:
    • خلت المدينة الإسلامية من منشآت اللهو والعبث كحانات الخمور والمراقص.
    • البديل الذي يلائم حياة المجتمع الإسلامي هو الفساقي والحدائق في صحون الدور والحمامات العامة المخصصة لكل جنس بعينه، وفي بعض المدن أُنشئت ميادين سباق الخيل وفي بعضها الآخر أُنشئت الجنات الترفيهية وزُودت بأبراج للاستراحة والترفيه.
  • أحكام اختيار موضع السكن:

أوجبت الأحكام الفقهية أن يكون مكان السكن وافر بالمياه العذبة والهواء وتتوفر فيه الحماية والأمان.

  • قضاء رسول الله أن أقل عرض للطريق سبعة أذرع:

وُجد بالبحث أنّ سبعة أذرع يكفي مرور جبلين محملين بالحمولة، ويمكن تطبيق هذا التوجيه الآن أن يكون أقل عرض للطريق مرور سيارتين عريضتين بشكل لا تضيّق إحداهما على الأخرى.

  • التوجيه القرآني لاجتناب التبذير:

التبذير: أي أنه الإنفاق في غير حق “ابن مسعود”

﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ*وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾  (الشعراء:128-129).

ولذلك كان الاعتماد في مواد البناء على موارد محلية أقل تكلفة.

ماذا عن موقع المسجد في المدينة الإسلامية:

  • عرّف فقهاؤنا المدينة أنّها إقامة خطبة واحدة في مسجدها الجامع الذي تنشده القرى ومراكز الاستيطان المجاورة، أي أن المسجد هو الأساس الذي تُبنى عليه المدينة.
  • لقد كان المسجد الجامع هو مركز المدينة الإسلامية، أي أنّ موقعه في وسط المدينة وليس في طرفها أو في أي مكان عشوائي، لنُلاحظ معًا موقع الجامع الأزهر في قاهرة المعز، فبزيارة ميدانية تستطيع أن تحدد المسافة بين الجامع الأزهر وباب زويلة والتي تساوي المسافة بينه وبين بابي النصر والفتوح.
  • المسجد هو المنتدى الثقافي والاجتماعي للمجتمع، حيث نيط به أداء العديد من الوظائف الشاملة المرتبطة بالحياة اليومية.

كما يُلاحظ أن المدينة الإسلامية في تاريخنا تعتد بالكتل البشرية الكبيرة وتحرص على نوع من التضامن داخل الكتل الأصغر المكونة للكتل الكبيرة.

﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ  (الحجرات:13)

نخلص من هذا أن العمارة الإسلامية كانت عمرانًا يوحد بين البناء والحياة الإنسانية والاجتماعية.

ماذا عن مدينتنا المعاصرة وعمراننا المعاصر:

لقد درست أقسام العمارة لطلابها ما يُسمى بالطراز الدولي وهو مجموعة قواعد للبناء حددها معماريون غربيون وادّعوا أنها القواعد المثلى للبناء وتشييد المدن في أي بقعة في العالم، لقد طُبق هذا النظام في مدننا العربية ضمن موجة التحديث التي قضت على معالم هويتنا وثقافتنا الإسلامية، فتحولت مدننا إلى هجين مقيت لم يهبط لأرض ولم يرتفع لسماء، غربةُ الطراز الدولي عن بيئتنا ومناخنا أدّت لارتفاع درجات الحرارة وبالتالي احتجنا لأجهزة التكييف والتبريد وارتفعت التكلفة النهائية للمباني، كما أن الطراز الدولي هذا لم يراع في قواعده حفظ الخصوصية فأدّى إلى كشف الساكنين لبعضهم البعض، كما لم يراعِ مفاهيم التراحم والتعارف والتآلف فأدّى زيادة عدد الطوابق إلى زيادة عدد السكان وبالتالي فقدان الأمان والألفة بسبب عدم القدرة على التمييز بين السكان والغرباء.

دعوة للانسجام:

إنّ بناء مدن تنسجم مع هويتنا وثقافتنا ومناخنا واحتياجنا ليس بالأمر المستحيل أو بعيد المنال، فلدينا معماريون يفهمون الرؤية الإسلامية الثقاية للمعمار ويستطيعون تطبيقها، فإذا أُضيف إليهم قدرات رجال الأعمال العاملين في مجال الاستثمار العقاري ذوي روح الرسالة والمسئولية الاجتماعية أمكن تحقيقها.

ولدينا نماذج أمثال المعماري حسن فتحي_رحمه الله_ ود.راسم بدران.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *