Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

تلامذة الدكتور طه العلواني 

كلمة حق لابد منها

منهج العلواني

الدكتور طه العلواني من يقرأه ليفهمه لابد له من معرفة الكثير عن حياته ومسيرته العلمية والفكرية بدءا من مدينة الفلوجة التي ولد فيها وحتى يومنا هذا فالرجل منذ بدايات بروزه في مجالات الكتابة في الفكر الإسلامي كان يحرص الحرص كله على أن يقدم منهجا لتفكيره وممارسة نشاطه المعرفي ويقيد نفسه به ويلتزم بذلك المنهج وهذا المنهج قل أن تخلو دراسة من دراساته ولو على المستوى المقالة من الإشارة إليه والتنويه به.

يقوم منهج العلواني على أن كتاب الله (جل شانه) القرآن المجيد هو المصدر الوحيد لإنشاء وإيجاد وبلورة فكر ومعتقد وتصور ونظم الحياة والسلوك لكل شأن من الشؤون، وأن القرآن الكريم تبيان لكل شيء من حيث الأصول والمنطلقات، منشئ وكاشف عن كل شيء من حيث الأصول والمنطلقات، وأنَّ سُنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- تدور حيث دار القرآن، وأن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لم تصح عنه سُنَّة إلا وفي القرآن المجيد أصل لها، فالسُنَّة ليست مصدرًا مساويا أو موازيا للقرآن؛ لأن الله (تبارك وتعالى) حصر الحاكمية فيه وفي كتابه فقال في أكثر من موضع ﴿ … إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (الأنعام:57) وقال (جل شأنه) ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ (آل عمران:23) ، وقال (جلَّ شأنه)  ﴿ .. وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (الكهف:26).

هذه الدعامة نجدها شائعة في كل ما تناوله لا يتساهل فيها بل يؤكد عليها، بل وبمنتهى الصرامة ويعتبرها قضية منهجية لا ينبغي التساؤل فيها، وكل ما تناوله من جزئيات أثارت جدلا؛ لأن الذين قرأوه لم يقرأوا هذه المقدمة المنهجية البديهية في فكره.

الأمر الثاني: أن بعض  الناس الذين يجهلون لغة أهل الأصولي والمعرفة الشرعية لم يستطيعوا أن يدركوا أن مثل الدكتور العلواني مثل كثير من علماء أصول الفقه والفقه قد يرفضون الأخذ ببعض الأحاديث الذين يرون فيها مناقضة لظاهر القرآن الكريم ولما أُحكم من آياته، وفي هذا ينطلق العلواني من منطلقين:

المنطلق الأول: أن في الحديث علة أو شذوذا يجعله خارج دائرة الأحاديث التي يؤخذ بها، أو أن يكون ضعيفا في إسناده، فهو لم يأخذ بحديث من “من بدل دينه فاقتلوه”  لعلل بسطها في كتابه “إشكالية الردة والمرتدين” دون أن يعتي ذلك أنه يرفض السُنَّة أو ينكرها كما يعمم الغوغائيون، فهو رفض حديثا رآه يتعارض مع آيات كثيرة في مقدمتها ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(البقرة:256)،  وقوله (تعالى) ﴿… أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ(يونس:99)، وقوله (تعالى): ﴿ .. وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ..(ق:45)، وقوله (تعالى):﴿… فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ …(الكهف:29).

 ويشير العلواني دائما إلى أن هذا الحديث لو أخذنا به بالرغم من مشكلاته في السند والمتن، فإننا نلغي بذلك منطوق ودلالة ما لا يقل عن مائتي آية من القرآن الكريم، وهذا ما لا يمكن لمؤمن عاقل أن يقبله بحال من الأحوال، ورده لهذا الحديث وأمثاله لا يحمل أي تقليل من شأن السُّنة وأهميتها، بل على العكس من ذلك، وهو انتصار للسُّنّة وربط لها بالقرآن المجيد، فرسول الله لا يُكذب كتاب الله وكتاب الله لا يكذب رسوله، فهما متفقان منسجمان على الدوام لا يقبل من أحد دعاوى تعارض أو تناقض أو تعادل أو نسخ أو تشابه -بمعنى الابهام- يقع بينهما، فالكتاب الكريم هو الدليل الذي دلَّ على حُجية السُّنة وأصلّ لها وأمر بقبول الصحيح منها، وهو في ذلك مثل كثير من الأئمة الكبار، كالإمام أبي حنيفة الذي قيل له بعد أن رد بعض الأحاديث التي تخالف ظواهر القرآن وعموماته ومقاصده وغاياته، ألا تخشى أن يُقال بأنك تُنكر السنة، قال: إنني بذلك أُعزز السنة ولا أنكرها ولا أنفيها بل أُكذب من أَخبر بشيء ونسبه إلى رسول الله وهو مخالف لكتاب الله،  ومثل ذلك ما يُروى عن عمر  وعائشة وعن كثير من الأئمة من الصحابة والتايعين وأئمة الفقه والأصول منذ تلك العصور حتى يومنا هذا.

 فالذين يطعنون في الدكتور العلواني ويشيعون عنه بأنه قرآني أو يتهموه بمنكر السُنَّة، فإنما هم أولئك الذين يسيرون خلف كل ناعق ويهرفون بما لا يعرفون.

فإن من منهج العلواني قراءة القرآن فيما يسميه بـ “وحدته البنائية” فقد كتب كتابا يوضح فيه: أن القرآن المجيد يتمتع بوحدة بنائية، فكأنه حين يجتمع وينضم بعضه إلى بعض يصبح كالكلمة الواحدة لا يمكن تجزيئه ولا تحويله إلى أعضاء كل منها يعيش في جزيرة منفصلة، والعلواني بهذا يقرر ما قرره أهل العلم قبله مثل : أبي عليّ الفارسيّ في كتابه “الحجة” وابن هشام في “مغني اللبيب”  وكثير من العلماء والأئمة  وتجد تفاصيل ذلك في كتاب د/ طه “الوحدة البنائية في القرآن الكريم”.

فالقرآن المجيد في نظر العلواني له خصوصية هامة حين ينفتح يستوعب الكون، إضافة إلى التوحيد والتزكية والعمران والأمة والدعوة، ويستطيع أن يجتمع وينضم بعضه إلى بعض حتى يصبح كالكلمة الواحدة.

كما يؤمن العلواني بأن القرآن جعله الله ميزانا يزن به كل شيء؛ ولذلك فإن الله (جل شأنه) قد منح القرآن صلاحية التصديق على ما بين يديه وما خلفه، أي أن يعيد ما حُرف من كلمات الله إلى حالة الصدق ويطهره وينقيه من الكذب ويهيمن عليه؛ ولذلك فإنه يرى بأن القرآن قد صدَّق على سائر الكتب قبله وأعادها إلى حالة الصدق وطهرها مما علق بها من تحريفات الغاليين وانتحالات المبطلين وتأويلات الجاهلين وافتراءات المغترين، وانطلاقا من ذلك فهو يرى أن القرآن يصدق على التراث الإسلامي كله كما صدق على تراث النبيين كافة، ويصدق على السُنة النبوية المطهرة إذا جمع بين قراءته وقراءتها وعُرضت عليه ويضعها في كنفه وتحت جناحيه.

كما أن من منهج العلواني أنه يرى أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فوصفه بالإبانة يجعله متميزا عن اللسان العربي؛ ولذلك فإنه يرى أن للقرآن لسانا عربيا خاصًا، الذي به تحدى القرآن الخلق أن يأتوا بمثله وعجز الخلق أن يأتوا بمثل سورة من سوره، وسيستمر التحدي قائما إلى يوم الدين، وكتب في ذلك دراسة أسماها “لسان القرآن”، و الوحدة البنائية للقرآن في نظر العلواني تجعل وقوع النسخ والتشابه بالمعاني السائدة من المحال وقوعهما في القرآن الكريم، فلا نسخ في القرآن ولا تشابه.

ويؤمن العلواني بأن القرآن المجيد قد اشتمل على الشرعة والمنهاج، والشرعة بارزة ظاهرة والمنهاج يحتاج إلى أن يكشف عنه أهل العلم والاجتهاد ويبرزونه  للناس.

والعلواني يأخذ بعموم قوله (تعالى) ﴿… وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … (المائدة:67)؛ ولذلك فهو يؤمن بعصمة النبي من السحر والتأثير البشري خاصة والقرآن المجيد قد خص السحر بالنفي فقال (جل شأنه): ﴿… إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا (الإسراء:47).  

فلو أن النبي وقع تأثير السحر عليه لصدق عليه المشتق الذي هو اسم المفعول “مسحور”، وحين تكلم العلواني في المجيء الثاني للسيد المسيح فإنه قد استدل بمنهجه القائم على حاكمية القرآن حيث سمى الله رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- بخاتم النبيين وختم النبوة لا يسمح بمجيء نبي يحمل صفة النبوة أو الرسالة بعده -عليه الصلاة والسلام- فختم النبوة عنده محدد منهاجي خاصة وأنه تتضافر مع قول الله (تعالى): ﴿… وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ …(الأحزاب:40)، فسيدنا عيسى –عليه السلام- صاحب رسالة  خاصة موجهه إلى بني اسرائيل بنص الكتاب الكريم ﴿ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ …(آل عمران:49) وهذه آية قرآنية، فلا يمكن منح سيدنا عيسى صفة العالمية إلا بدليل مماثل في قطعيته لهذه الآية، ويكون آنذاك مخصصا لختم النبوة واستثناء منها وكل ما استدل به القائلون بالمجيء الثاني للسيد المسيح ليس فيه دليل يصلح لتخصيص عموم النبيين الذين ختمهم الله بمحمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ولا يصلح أن يكون بقوة قوله (جل شأنه) ﴿ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ …(آل عمران:49) والمنهج القرآني عنده ضابط صارم لا يسمح بتسرب أي شيء ينافي القرآن أو يعارضه، والأخبار لا تعارض آيات الكتاب الكريم وليست مماثلة له، فالقرآن منزه عن المثل بحكم قوله (تعالى) ﴿ .. لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (الإسراء:88).  

وهذا المنهج لا يمكن مواجهته بالتأويلات أو محاولات ليّ أعناق النصوص؛ لأنه منهج صارم قائم على الجمع بين القراءتين قراءة الوحي وقراءة الخلق والكون وهو منهج يستحق الدراسة من أهل العلم ولا يكفي لمعارضته أو مناقشته أن يقال بأن من يتبنى هذا المنهج أحد المتأخرين، فالحق حق تقدم أم تأخر والباطل باطل تقدم أم تأخر، والصواب صواب تقدم أم تأخر والخطأ خطأ تقدم أم تأخر؛ ولذلك فليس من العدل أن يُقرأ الرجل وفكره بتلك الطرق المبتسرة؛ لأن ذلك قد يحرمنا من الاستفادة من فكر أصيل كهذا تعززه الأدلة العقلية والنقلية وهو فكر خاضع لموازين القرآن الكريم في سائر الأحوال.

تلامذة الدكتور طه العلواني. 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *