Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

مفاتح القرآن

أ.د/ طه جابر العلواني

في هذا المقال سوف نحاول أن نقدم خلاصة لدراستنا التحليلية لآيات سورة براءة، وربط الآيات الأخرى التي وردت في السور الأخرى: البقرة، والأنفال، والحج، ومحمد –صلى الله عليه وآله وسلم- بها باعتبار أن آيات سورة التوبة هي من آخر الآيات نزولا، حيث إن سورة التوبة نزلت قبيل وفاة رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- في السنة التاسعة، ورسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- بعد أن حج حجة الوداع في العاشرة انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد ذلك بثمانين يوما أو ثلاث وثمانين يوما.

إن المقول فيهم: ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (التوبة:5) المقصود هم الذين نقضوا عهودهم ومواثيقهم كلها واستهانوا بجميع الاتفاقات والمعاهدات.

والمقول فيهم: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (التوبة:8-10) هم الذين يرضون المؤمنين بأفواههم وتأبى قلوبهم، فكأنهم يوفون بالعهود والمواثيق بالكلام فقط ولكن قلوبهم منطوية على الغدر والنقض عند أول بادرة قدرة أو تمكن عندهم، فهم يرضون المؤمنون بأفواههم ويتظاهرون بالوفاء، ولكن قلوبهم ناقضة لكل العهود والمواثيق، وهم الذين يقابلهم –في الإعجاز القرآني- فهم في قلوبهم منطوون على نقض العهد فيقول لرسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم: وإما تخافن أي يحدث خوف في قلبك، أو توقع بأن هؤلاء سيخونون عهودهم: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ (الأنفال:58).

والمقول فيهم: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ .. (الأنفال:60) لا لتعتدوا بها عليهم ولكن لترهبون به عدو الله وعدوكم، واليوم ماذا في العلاقات الدولية، ما الذي يدور؟ توازن الرعب، فإذا امتلكت دولة أسلحة نووية وكيماوية وبيلوجية، الدولة التي تتوقع أن تقع معها حالة عداء أو حرب لابد لها أن تمتلك أسلحة مماثلة لكي تتحقق حالة رعب لا تسمح بأن يعتدي أي منهما على الآخر، فربنا (تبارك وتعالى) يقول ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ (الأنفال:60) ليخشى ويعمل ألف حساب قبل أن يخون وينقض العهد معك ويتآمر عليك ويتحالف ضدك، ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ (الأنفال:60) أجهزتكم لا تسمح بكشفهم ولكن هم أعداء أيضا فإذا أحسوا أنكم على قوة وعلى قدرة ترهبون به عدو الله وعدوكم فسوف يتوقفوا؛ ولذلك فهذا الأمر أمر القرآن به ولهذا الغرض، لا لاعتداء كما يقولون، فهم يتهموننا اليوم ويتحدثون عن الإرهاب وما إليه والله (سبحانه وتعالى) جعل أن إعداد القوة من قبل الأمة الشاهدة الوسط الخيرة والمسئولة عن القيم وحرية التدين والاعتقاد وتحرير الناس والمحافظة على حقوق الإنسان هي في حاجة ماسة؛ لأن تكون لديها قوة ترهب به عدو الله، فهل تتحقق القوة بشراء الأسلحة وتخزينها وتكديسها؟ تتحق القوة بأن تكون أنت قادر على صناعة سلاحك ومعرفة مصادر قوتك ومعرفة كيفية إدارة الصراع مع خصومك وأعدائك وما إلى ذلك، بحيث ترهبون به عدو الله وعدوكم.

والمقول فيهم: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الأنفال:61) يواصل القرآن الحديث عن المعتدين أو الناقضين بقلوبهم ولكن إن اطمأننت بأنهم رفعوا أيديهم، ويعرفون أنهم لن يستطيعوا أن يهزموك ويخدعوك ومالوا إلى السلم واطمأننت أنهم جانحون إليه، فاجنح لها أي اقبل منهم هذا: ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (التوبة:11)، وهنا لافتة لطيفة ففي مرة يقول: فإخوانكم في الدين، ومرة يقول فخلوا سبيلهم؛ ليبين لنا أن بعض من يقيمون الصلاة ويعلنون التوبة ويؤتون الزكاة مخلصون في ذلك، وهؤلاء يكونون إخوانا لكم في الدين وانتهت أية حالة شاذة بينكم وبينهم، وأما أولئك الذين قد يظهرون الإيمان وإقامة الصلاة وإتاء الزكاة وهم ينطوون على خلاف ذلك فهؤلاء خلوا سبيلهم واتركوهم، فلا يهتم بما وراء تخلية سبيلهم تحقيرا لهم وتوبيخا، أما هناك فيقول للمخلصين في ذلك فإخوانكم في الدين، وليس في هذا الأمر قاتلوهم أو اضغطوا عليهم أو انبذوا إليهم حتى يسلموا كما يفهمها بعض المتكلمين في هذه الأمور، فهذا الأمر لابد من الالتفات إليه، وهذا التمايز في الخطاب يراعى فيه مقتضى الحال مع كل فريق، وأما قوله (تعالى): ﴿وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (التوبة:11) فالآيات ذات الدلالات، أي يعلمون دون غيرهم مافصلنا من هذه الدلالات، فهذه الآيات لا ينبغي أن يتناولها من هب ودب ويقول فيها من شاء ما شاء، وإنما يتناولها الذين يعلمون الشأن العام وحال هذه الأمة ورسالتها ودورها وخصائصها وخصائص شريعتها، هؤلاء الذين عليهم أن يعلموا تلك الدلالات، ولعله -والله أعلم- لطيف إشارة إلى التفصيل الناشيء عن الفارق بين من وفوا بأفواههم وقلوبهم وبين من تظاهروا بالوفاء بأفواههم وهم ناقضون أو معتدون في قلوبهم، ويواصل القرآن الحديث عن هؤلاء المعتدين أو الناقضين بقلوبهم فيقول: ﴿وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (التوبة:12)، وهنا يأتي السؤال: ما الذي عليه أن ينتهون عنه؟ هل هو نكث العهود والعقود أم الكفر؟

الجواب ينتهون عن السبب الذي من أجله أُذن للمؤمنين بقتالهم، وهو نكثهم أيمانهم المذكور في أسلوب شرط قتالهم، إذ الأصل أن ما كان سببا في القتال هو الذي يزول القتال بزواله، والقول بغير ذلك خروج عن الأصل بغير ما دليل صارف عنه إلى غيره ، وقد كان الدليل الصارف عن الأصل متوفرا فيمن فيهم: ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ (التوبة:5)، منصوصا عليه في قوله: ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (التوبة:5) ولو أراد القرآن الخروج عن الأصل هنا لوفر دليله هنا كما وفره هناك بأن يقول مثلا: ﴿فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (التوبة:12) ينتهون ويتوبون ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، فإن قيل بل المعنى لعلهم ينتهون عن الكفر؛ لأنه مذكور أقرب من النكث الأقرب أولى بتفسير متعلق الفعل ما لم يكن صارف عن هذا الأقرب إلى ذاك الأبعد، قيل هذه غفلة أو تجاوز عن صوارف في قرآن الله المسطور في المصحف وقرآنه المنشور في الآفاق وفي الأنفس، منها في قرآن الله المسطور في المصحف قوله (تعالى) هنا: ﴿أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ (التوبة:13) فالأسباب التي ذكرت كلها ليس فيها سبب يتحدث عن الإكراه في الدين، هذا استفهام استنكاري حقيقته الحض والإغراء، ولو كان القتال بسبب الكفر لذكره هنا فقال: ألا تقاتلون قوما نكثوا وكفروا وهموا بإخراج الرسول إلخ، إذ الكفر أشنع من نكث العهد ولا يقل شناعة عن الهم بإخراج الرسول فهو أولى من النكث بالإغراء بالمقاتلة عليه.

قبل الفاصل تحدثنا عن أن السبب في الأمر بمقاتلتهم أنهم نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة، وليس الكفر وبينّا لماذا؟ لأن الله قال: ﴿أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ (التوبة:13) ولم يقل وكفروا، مع أن الكفر أشنع، وقد ذكر لفظ انتهاء في سياق مماثل أي إن ينتهوا، وكان متعينا أنه انتهاء عن نكث العهود ونقض المعاهدات لا عن الكفر، قال (تعالى) في كفار قريش المعتدين غير المعاهدين لرسول الله: ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ (الأنفال:38) ينتهوا: أي عن نقض العهود يغفر لهم ما قد سلف من عهود نقضوها، ومتعلق الانتهاء لابد أن يكون هو ذاته متعلق العودة، فالمعنى إن ينتهوا عنه وإن يعودوا إليه، فصاحب الضمير في عنه لابد أن يكون هو نفسه صاحب الضمير في إليه، ولا يتجه إلا ذاك، فإن قيل إن المعنى “إن ينتهوا عن الكفر يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا إلى الكفر فقد مضت سنة الأولين” لم يكن ذلك من العربية في شيء؛ لأن قول وإن يعودوا إلى الكفر يعني أنهم قد خرجوا منه وهم لم يخرجوا من الكفر فما يزالون كفار، ولكن خرجوا من ماذا؟ خرجوا من العهد، فمتى غادروا الكفر حتى يعودوا إليه، فإن قيل المعنى إن ينتهوا عن الكفر يغفر لهم وإن ينتهوا عنه ثم يعودوا إليه فقد مضت سنة الأولين، قلنا هذا تقدير محذوف، ولا يلجأ إليه إلا بقرائن ولا توجد قرينة.

وأما قوله (تعالى): ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ (الأنفال:39) فالفتنة هنا هي الإكراه على تغيير الدين، وهو ما ذكرناه أولا في حرية العقيدة ومسئولية هذه الأمة عن حماية حرية العقيدة وقد تمثل في السورة في مقاتلة الكافرين المؤمنين على إيمانهم إرادة إكراههم على ترك الإيمان، وأما قوله: ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه (الأنفال:39) أي يكون الخضوع كله لأمر الله، وأمر الله هو أنه لا إكراه في الدين، فإن قيل إن الفتنة هي الكفر صار المعنى حتى لا يكون كفر وهذا هو عين معنى الإكراه في الدين الذي حرَّمه الله على نفسه وعلى المؤمنين ولا يجوز القول بإنهاء حكم نص قرآني بحكم نص قرآني آخر إلا إذا تعذر الجمع بينهما؛ ولأن الجمع إعمال للنصين والإنهاء إبطال لأحدهما ولا يقبل إبطال نص قرآني قطعي لا داعي لإبطاله والتأويل والفهم ممكن ومحتمل، وقد أمكن الجمع بتفسير الفتنة بأنها الإكراه في الدين، وبالتالي إعمال النصين بغير موانع إذ لا يمنع مانع ولا ينازع منازع في أن الإكراه في الدين فتنة فلا عذر إذا لقائل بالإنهاء الذي يسمونه نسخا لقوله (تعالى): ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (البقرة:256)، وقوله (تعالى): ﴿فَإِنِ انتَهَوْاْ (الأنفال:39) أي عن الفتنة التي هي إكراه المؤمنين على تغيير دينهم ﴿فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (الأنفال:39) أي يعلم إن كانوا صادقين في دعوى الانتهاء عن إكراه غيرهم إن كانوا يخادعون بالتظاهر بالانتهاء، ولو كان المعنى فإن انتهوا عن الكفر لقيل بعدها كما قيل في إخوانهم المشركين الناقضين: ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (التوبة:5) أو لقيل بعدها فإن انتهوا فإخوانكم في الدين، كما قيل في إخوانهم المشركين الموفين بأفواههم دون قلوبهم: ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (التوبة:11) وقوله (تعالى): ﴿وَإِن تَوَلَّوْاْ (الأنفال:40) أي عن الانتهاء إلى الفتنة وأصروا على مواصلة العدوان عليكم لإكراهكم على تغير دينكم ﴿فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (الأنفال:40) أي لستم وحدكم وأنكم منصورون؛ لأنه مولاكم وهو نعم المولى ونعم النصير، وإن كان المعنى فإن تولوا من الإيمان إلى الكفر لقيل: فإن الله شديد العقاب ﴿وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (البقرة:211)، ﴿وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الأنفال:13) ومنها في قرآن الله المنشور في الآفاق والأنفس ما يلي:

إن المؤمنين قد يضلهم زمان يكونون فيه أضعف فتعتدي عليهم أمة كفر أقوى، وأي أمة ضعيفة مؤمنة كانت أو كافرة لا خيار لها ولابد لها من رد عدوان الأمة الأقوى إلى أن يتوقف العدوان، وأما ما وراء توقف العدوان من انتقام أو تأديب للأمة المعتدية الأقوى فهذا قد لا يكون للأمة الأضعف به طاقة، فكيف إذا كان ما وراء رد العدوان هو إدخال الأمة المعتدية القوية قهرا في دين الأمة الضعيفة، فهذا أمر لا يتصور؛ ولذلك فإن مسألة القتال من أجل حمل الناس على تغيير أديانهم غير مقصودة هنا على الإطلاق، من أجل ذلك خفف الله عن المؤمنين، وأحل لهم لاحتمال ضعفهم ما حرم على رسوله لانتفاء احتمال ضعفه، فرسول الله قوي بالله (تبارك وتعالى) فقال له: ﴿فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (التوبة:12) عن العدوان أي لا عن الكفر، وقال: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ (البقرة:193) والفتنة هي الإكراه على تغيير الدين، وهكذا نصل إلى نهاية تحليلنا لآيات سورة براءة، لا أنكر أن هذا التحليل فيه شيء من الصعوبة؛ لأن الأمر فيه من الصعوبة الشيء الكثير، وهذا الأمر أمر الجهاد هو أمر في غاية الأهمية ولابد لنا من فهمه في هذه المرحلة، فإسرائيل تقاتلنا وتقتلنا وتعتبرنا نحن المعتدين وغير إسرائيل ومن وراء إسرائيل، كثير من هؤلاء يقاتلوننا ويعتدون علينا ويسلبون ثرواتنا وينتهكون حرماتنا ومع ذلك يظهروننا بأننا المعتدون ويتهموننا بشتى أنواع الاتهامات وهم دائما يحرفون الكلم عن مواضعه كما اعتادوا، ويأخذون هذه الآيات من كتاب ربنا اليوم ويقيمون عليها الندوات والدراسات الكثيرة ويحاولون أن يبينوا لأممهم ليزيدوا من عدائها لنا واعتزالها عنا وتآمرهم والترويج لمآمراتهم علينا وتسويغ كل ما يفعلونه في مقاتلتنا ومحاصرتنا والوقوف ضدنا وموالات خصومنا كل هذا من قبيل استغلال هذه النصوص وتحريفها عن مواضعها وإساءة قراءتها، فليس كثير علينا أن نتدبر هذه الآيات ونعطيها من العناية ما تستحقه وما تتطلبه لكي نكون قادرين على فهم كتاب ربنا؛ ولكي لا يفتننا هؤلاء عن ديننا، فهناك اليوم عناصر معادية تحاول أن تظهر الإسلام والمسلمين مع أنهم في كل ما يدور في هذا العصر هم ضحايا ومعتدى عليهم ولكنها تحاول أن تظهرهم بأنهم المعتدون وأنهم يستحقون كل ما يدبر ضدهم من استلاب أرضهم وتبديد ثرواتهم وإخضاعهم وحرمانهم من أبسط الحقوق التي يتمتع إنسان اليوم بها، فهذه الآيات الكريمة في حاجة منا إلى عناية خاصة وإلى دراسة مستمرة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *