أ.د/ طه جابر العلواني
أمَّا الخطاب القرآني فإنّه يشكل عاصمًا للعقل الإنساني بمزاياه التي ألمحنا إليها، ومعادلته للوجود الكوني وحركته وخصائصه التي أشرنا إليها، وكثير غيرها مما لم ينشر إليه فهو لم يحد من هذه السيولة: فثباته واستقراره وإطلاقه واستيعابه وتجاوزه وتصديقه وهيمنته ووحدته البنائية ومنهجية قراءته بالكون –التي رسمها مُنزل القرآن (تبارك وتعالى) واستيعابه لذلك كله –ومعادلته للكون وحركته، كل أولئك تشكل حائلا لا يخترق دون سيولة فهم وتذبذبه ودون أن يحول ذلك دون يسره، مع الجمود على فهم محدد وإطلاق سلطة ذلك الفهم على سائر الفهم وفي سائر العصور.
موقف الشاطبي:
ومن هنا ما كان يخشاه نحو الإمام الشاطبي –رحمه الله- حين نص في موافقاته على عدم جواز تفسير القرآن بما لم ينقل عن أهل القرون الثلاثة[1] لا نخشاه نحن بذات القدر وكذلك لا نشارك الذين فهموا من بعض الأحاديث والآثار عدم تفسير القرآن بغير المأثور فيما ذهبوا إليه؛ لأنّ الخطاب القرآني لسائر العصور وللعالمين كافة، ولجميع الأزمنة ومختلف الأمكنة. فلو سلمنا هيمنة فهم أهل عصر من العصور عليه، وعدم جواز تجاوز ذلك الفهم لمن يأتي بعدهم، بل أوجبنا عليهم الالتزام بالقرآن وبفهوم من سبقهم لتفسير الخطاب القرآني فذلك يعني إلزام ما لا يلزم، وإيجاب ما لا يجب، والتسوية في صفة الإطلاق بين الخطاب القرآني وأفهام وتفسيرات متلقيه وإسقاط واجبات التدبر والتفكر، بل ربما التلاوة ذاتها عن الأجيال اللاحقة بحجة قيام الأجيال أو القرون الأخيرة الأولى بذلك. وعلى هذا فقد يقال –إذن- يكفي فهم ما ورثوه لنا من آراء وتفسيرات وفهم عن أي جهد آخر منا. وكأن كل تلك الواجبات في التلاوة والتفكر والتدبر واجبات كفائية يكفي أن تقوم بها الأجيال السابقة لتسقط عن الأجيال اللاحقة.
[1] راجع الموافقات، للشاطبي.
لقراءة البحث كاملا يرجى الضغط على الرابط التالي: