أ.د.طه جابر العلواني
سألني سائل وألح في سؤالِه واستحلفني أن أُجيب عن أهم الفروق بين السنة والشيعة وهل تستحق هذه الفروق أن يتقاتلوا حولها ويختلفوا ويسفكوا دمائِهم ويقتلوا أنفسهم ويدمروا بلادهم ويستدعوا غير المسلمين لاحتلالها وتدميرها وإذلال حرائرها وأحرارها ؟!، وقد بقيتُ أماطل محاولًا النأي بنفسي عن تناول هذا الموضوع ويبدو أن سلسلة مقالاتي حول الطائفية قد أغرته بأن يعيد الطلب ويزيدُ في الإلحاح وإني قد قررت أخيرًا النزول على رغبتِه وتناول هذا الأمر بتسامح وموضوعيةٍ وحيادة ٍلا يستطيع أحد أن يجاري فيها كبار علماء الأمة إلا من تتلمذ على تراثهم وما تركوا من آداب الاختلاف.
أما السُنة والجماعة فهم طائفة من المسلمين وهذا المفهوم مركب من فرعين، ولكنهما من أهم وأخطر ما جرى تداوله من مفاهيم في علم الكلام والفرق والطبقات، وما إليها من المعارف الإسلاميّة، وهما «أهل السنّة» و«الجماعة»، أمّا الأول «أهل السنّة» فهو مركب من كلمتين: «أهل» وهي مضاف و«السنّة» وهي مضاف إليه، أمّا الأولى «أهل» فهي من «أهل الرجل»، وهم كل مَنْ يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوزوا فيه فقيل على مَنْ يجمعهم وإياه نسب واحد. وتعارف جمهرة المسلمين على إطلاقه في أسرة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فهم الذين يقال لهم «أهل البيت» مطلقًا في باب الفضائل. وفي باب الزكاة حصره جمهور الفقهاء في «بني هاشم وبني عبد المطلب». وفي باب الدعاء والصلاة على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- جعلوه شاملاً لكل مَنْ آمن به ورضيه نبيًّا ورسولاً. وخصته الشيعة بـ«أهل الكساء»[1]، وخصه البعض بأزواجه فقط -صلى الله عليه وآله وسلم- نزولاً عند الذي يتبادر إلى الذهن عندما يُقال «أهل الرجل»، حيث يُفهم منه زوجه وأسرته في الاستعمال العرفي؛ ولأنّ قوله (تعالى): ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (الأحزاب:33) جاءت بعد بيان جملة من الأحكام الشرعيّة المتعلقة بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولأنّ العرب تقول: “تأهل فلان”، تريد: تزوج. وقوله (تعالى) لنوح -عليه السلام- حين سأل الله (تعالى) إنقاذ ولده من الطوفان: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ (هود:46)، فكأن لقب «أهل» يشتمل على الانتماء والتكافل المعنوي، إضافة إلى صلة الدم والرحم، وقوله (تعالى) لنوح أيضًا آمرًا إياه بمن يحمل معه في السفينة: ﴿.. وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ..﴾ (هود:40). وفي المعنويات أيضًا يُقال: «فلان أهل لكل خير». وإضافة أهل إلى السنّة تعني أنّهم صاروا للسنّة النبويّة -من حيثيّات مختلفة- بمثابة «الأهل» للإنسان، وقال القرآن المجيد في التقوى: ﴿.. وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ..﴾ (الفتح:26)، قال (تعالى): ﴿..هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ (المدثر:56).
لقراءة البحث كاملا يرجى الضغط على الرابط التالي: