Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

القرآن شفاء لما في الصدور

أ.د/ طه جابر العلواني

لقد عرّف الله (تبارك وتعالى) رسول الله –صلّى الله عليه وآله وسلم- بهذا القرآن منذ لحظة نزول الآيات الأولى على قلبه. فبيّن له أنّه قد اصطفاه نبيًا ورسولًا، ونزّل القرآن على قلبه، وأشار إلى أنّه قول ثقيل سينزل على قلبه تباعًا. وبدأ (جل شأنه) يبيّن له كيف يتلقى هذا القرآن بقلبه؟ ونعمته (جلّ شأنه) عليه بتيسيره بلسانه، وأمره (تبارك وتعالى) بأن يُعد نفسه، وينمّي سائر طاقاته، ليكون قادرًا على تلقي هذا الوحي وهذا القول الثقيل واستيعابه، وبدأ يعرفه بأسمائه وصفاته ليهيّأه التهيئة التامّة.

ولكي يُعد رسول الله –صلّى الله عليه وآله وسلّم- بناشئة الليل وبالسبح الطويل في النّهار قلبه الشريف لاستقبال هذا الذي لم ينزل مثله على قلب نبيّ من الذين سبقوا رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلم- لأنّه الكتاب الذي تحدى الله الخلق كلهم أن يأتوا بمثل سورة واحدة من سوره، وثبت عجز الجميع.

وإذا كان الأنبياء يأتون قومهم بآية أو بتسع آيات -كما حدث لموسى- أو بأقلّ أو أكثر فإنّ آيات رسول الله –صلّى الله عليه وآله وسلم- بهذا الكتاب بلغت ستة آلاف ومائتين وثمانٍ وثلاثين آية، فما أروع هذا الكتاب.

أمّا أسماؤه فهي أكثر من خمسين اسمًا وردت في القرآن ذاته، وله صفات ليس من اليسير إحصاؤها، والذي ورد في ثنايا آيات الكتاب تزيد عن الثلاثين صفة والأسماء منها البسيط ومنها المركب، وأهمها وأولها: «القرآن والكتاب والفرقان والذكر والتذكرة والذكرى والتنزيل والحديث وأحسن الحديث والحكم والحكمة والحكيم والمحكم والموعظة، والشفاء والهدى والرحمة والصراط المستقيم وحبل الله والبصائر والروح وأحسن القصص والبيان والتبيان والمبيّن، والقول الفصل والنّجوم والمثاني والنّعمة والبرهان والبشير والنّذير والقيم والمبارك والمصدق، والمهيمن والهادي والنّور والحق والعزيز والكريم والمكنون والعظيم» ووصفه الله (جلّ شأنه) بأنّه «أحسن ما أنزل» و«أحسن القصص» «وأنَّ فيه ذكر وشرف من يؤمن به»، وأنَّه «بشرى» و«هدى» و «فصّله الله على علم» و «قرآنًا عربيًّا» و«صحف مطهّرة» و «البيّنة» و«صحف مكرّمة» و«كلام الله». و «قولًا ثقيلًا» و«نبأ عظيم» و«غير ذي عوج» و «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه». وأوصافًا أخرى لسنا في معرض حصرها.

وحين يطلق الله (تبارك وتعالى) على كتابه الكريم كل هذه الأسماء والصفات فذلك يفرض على القارئ حين يقبل على القرآن الكريم أن يستحضر في عقله وقلبه ووجدانه وسائر قوى وعيه كل المعاني التي حملتها هذه الأسماء والصفات التي ذكرها منزّل الكتاب له.

ويستبعد سائر المشاعر والتصورات التي تجعل لدى الإنسان شعورًا بأنّه يقترب من كتاب لا يختلف عن غيره إلاّ في نسبته المجرّدة إلى الله (تعالى) إنّ الأمر أكبر من ذلك بكثير. إنّه كون كامل في كتاب، بل هُوَ كتاب كونيٌّ يستوعب الكون وحركته. ذلك هو القرآن ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ (البقرة: 2) ذلك هو الفرقان.

وقد رأينا كيف سمّاه منزله (جلّ شأنه) بالشفاء لما في الصدور ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا﴾ ( الإسراء: 82) ، يشفي القرآن المجيد من أمراض عديدة، فمن تلك الأمراض: الشك والشرك والرياء والنّفاق والغرور وابتغاء العلو في الأرض وابتغاء الإفساد فيها، والكبر  والرغبة في تعبيد العباد والاستبداد بشؤونهم وأمورهم، وحب الدنيا وكراهية الآخرة وحب الأنداد والشركاء، والاشمئزاز من ذكر الله وحده إلى غير ذلك من أمراض لا يسهل حصرها.

وهناك أمراض تتعلق بتلاوتنا للقرآن الكريم يشفي القرآن المجيد منها وهي:

الوقر في الآذان، وتغليف القلوب ووضعها في الأكنّة والحجب، وعدم الرؤية أو العشو والغبش فيها، والغطاء على العين، واضطراب الجوارح وتبديد الطاقات الإنسانية وضعفها، وحب الدنيا والإقبال عليها وكراهية الموت والنّفرة من الآخرة، والكراهية.

فالقرآن المجيد له منهج دقيق وقويم لشفاء سائر هذه الأمراض وغيرها؛ لترجع القلوب نقيّة صافية ﴿… كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ …﴾ (النور:35).

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *