Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الدراسات القرآنية

أ.د/ طه جابر العلواني

وعلى كثرة دراسات الإعجاز وتنوُّعها وتراكماتها عبر العصور فإنّنا لم نعثر على دراسات اتخذت من «الإعجاز» معيارًا منهاجيًّا تحاكم إليه تلك الدراسات التي عرفت «بعلوم القرآن» ويحتكم إليه في قبولها أو رفضها أو تعديلها، بل أطبقت -كلّها- على حصر آثار الإعجاز وانعكاسات على جانب الفضائل المتعلّقة بأساليب القرآن الكريم ونظمه ولغته، وبيان تميّزه على أساليب العرب ونظم لغاهم. وحتى حين حاول البعض بتأثير الهيمنة العلميّة الغربيَّة المعاصرة تقديم نوع جديد من أنواع الإعجاز عرف «بالإعجاز العلمي» لم يعد أن يكون محاولة لقياس القرآن الكريم إلى ثقافة العصر فكلّما قدمت ثقافة العصر كشفًا علميًّا أو معرفيًّا جديدًا قيل: إن القرآن الكريم قد سبقت إشارته إلى ذلك أو تنبيهه إليه. وفي هذا تصبح ثقافة العصر مرجعًا لبيان تميّز القرآن الكريم بشيء من السبق الزمنيّ. وحين برزت قضيَّة «إسلاميّة المعرفة» قبل مَا يقرب من ثلاثة عقود نظر كثير من قادة الفكرة والقائمين عليها إلى أنّها «مدخل معاصر» لما قد يستحسن من فلسفات وعلوم حديثة أو معاصرة للاستفادة بها في تطوير «الدراسات الإسلاميّة»، وتأصيل تلك المقتبسات بإرجاعها إلى التراث الإسلاميّ بقطع النظر عن أي اعتبار إلا أنّها تراث إسلاميّ ولم يلتفت إلى القرآن المجيد بما يناسب إعجازه. وأستغفر الله أنني كنت من بين من مارسوا ذلك في بادئ الأمر حتى إنني أشرفت على مشروع سميناه في حينه «تكشيف القرآن» وفقًا لمفاتيح العلوم الاجتماعيّة المعاصرة مستفيدين من «علوم المكتبات» وكلماتها المفتاحيّة فخرجنا من هذا المشروع بالعجب العجاب كما أنّ «العقول المستطرقة» قياسًا على «الأواني المستطرقة» سرعان مَا حولت هذه القضيّة الفلسفيّة الخطيرة إلى مجموعة من التراكمات التراثيّة المكتوبة بلغة عصريّة والمطعمة بصدفات من المصطلحات والمفاهيم والعلوم المعاصرة لتضيف إلى قائمة «العلوم» التي أحصاها الفارابي، والكندي، وابن حزم، ثم ابن الساعي الألفاني، فالفخر الرازي، فطاش كبرى زادة، فالسيوطي، ثم صاحب «أبجد العلوم» علومًا جديدة نحو «علم النفس الإسلاميّ» وعلم «الإنسان الإسلاميّ» و«علم الاجتماع الإسلاميّ» و«علم الاقتصاد الإسلاميّ» و. .. و. .. وحين بدأ وعينا على القرآن المجيد ومنهجه ومنطقة يتفتح، وشرعنا بكتابة بعض القضايا سارعت «العقول المستطرقة» إلى انتقاء بعض المقولات الموروثة من مفسّرين أو مؤولين أو سواهم لإعادة إنتاجها بلغة معاصرة فبدأ الكثيرون يتحدثون ويكتبون عن «الجمع بين القراءتين» بذلك المعنى البسيط؛ الكون كتاب منثور، والقرآن كتاب مسطور، يجب أن يقرءا معًا ويجري التدبّر فيهما معًا. وكذلك أخذ كثيرون معنى «المنهج والمنهجيّة» بالمعنى اللغوي؛ الطريق لا بمعناه الفلسفي الَّذِي نرمي إليه. وهنا أود أن أستغفر الله مرة أخرى وأتوب إليه على ندائي الدائم المستمر قبل عشرين عامًا أو تزيد بضرورة تعليم علماء الاجتماعيّات المعاصرين علم «أصول الفقه» ليكون «منهج بحث ومعرفة» يجري مطه وسحبه ولو بالقوة من الظواهر الفقهيّة القائمة على التقييم وبيان الحلال والحرام إلى سائر الظواهر الاجتماعيّة وكأن الامتداد السرطانيّ للفقه الجزئي في سائر فراغات حياتنا لا يكفي فأردت أن أمد رداء «أصول الفقه» على سائر ظواهر الحياة لئلا يغلب شيء منها من قبضة الفقيه… وكنت قد أعددت مسوّدة كتاب في أصول الفقه باعتباره منهج بحث ومعرفة قسمه التاريخي الأول وأمسكت عن نشر القسم الثاني الَّذِي كنت قد أصلت فيه لضرورة اتخاذ علماء الاجتماعيّات المعاصرين «أصول الفقه» منهج بحث ومعرفة في كل مَا يأخذون ويتناولون ويتركون. وكنت في تلك المرحلة أظن «وبعض الظن أثم» أننا بذلك سوف نؤسس العلوم الاجتماعيّة وفلسفة العلوم الطبيعيّة ونوجه العلوم الطبيعيّة وجهة إسلاميّة. وأحمد الله وأشكره أن كل تلك التجارب الفاشلة والناقصة قد قادت في النهاية إلى تجاوز تلك المرحلة إلى المرحلة المستوعبة لها والمتجاوزة حين تم تأسيس «جامعة العلوم الإسلاميّة والاجتماعيّة» وواجهنا التحديّ الحقيقيّ الَّذِي لا يسمح بتلفيق ولا توثيق، بل فرض علينا النظر في «إسلاميّة المعرفة» باعتباره قضية فلسفية كبرى ذات منهج علمي متميز يستهدف الوصول إلى اجتهاد معتبر وتجديد نوعيّ مميز وفعَّال يستوعب العلوم والفلسفات التي بلغتها البشريّة بعد ذلك الكدح الطويل ويتجاوزها فنحن في حاجة إلى «التجديد النوعيّ» وإلى «الاجتهاد النوعيّ وليس التراكميّ».

 ولذلك فقد حاولنا مواجهة التحدي في تلك الجامعة الفتية الصغيرة الناشئة بالعمل على إيجاد «أدوات معرفيَّة» فاعلة تعين على إعادة فهم القرآن الكريم فهمًا سليمًا قائمًا على «التحليل» لا على التفسير والتأويل. وفي تلك القراءة المستمرة للقرآن الكريم والسنّة الثابتة تفتحت أبواب رحمة لا مغلق لها ساعدت على تحديد مواقف معرفية من أنواع التراث المختلفة كما ساعدت على اتخاذ مواقف منهجيّة من الفلسفات والعلوم والمعارف الحديثة مَا كان من الممكن لتلك الأبواب أن تفتح إلا بمفاتيح القرآن المجيد الكتاب الكونيّ الوحيد على وجه الأرض. وذلك جانب من جوانب إعجاز هذا الكتاب الكونيّ الخالد. وبهذا الكتاب المعجز الخالد وبالمنهج الَّذِي اتبعناه وجدنا أنفسنا أساتذة وطلابًا قادرين على التعامل مع سائر الإشكاليّات المعرفيّة التي أفرزتها مراحل الأنوار والحداثة وما بعد الحداثة والتاريخ وفلسفة التاريخ ونهاية التاريخ وتدافع الحضارات إلى غير ذلك من أمور مَا كان المسلمون والإسلاميّون يقاربونها إلا بمنطق المقاربات وأحيانًا بمنطق المقارنات أو يواجهونها بموقف فقهِيّ أو كلاميّ أو رفض سلبيّ.

 وحين يتعامل الباحثون مع هذا الكتاب الكونيّ بذلك الفهم وبتلك الأدوات فإنّهم سوف يكتشفون الأوجه المكنونة لإعجازه.

 فعلى الأستاذ أن يقود طلبته والباحثين في مسالك الإعجاز قيادة حكيمة متأنية تستوعب مَا جاء به المتقدمون حول إعجاز النظم والأسلوب وما إلى ذلك. وتتجاوزه بمنهج معرفيّ إلى هذه المراتب العالية ويقدم من التطبيق مَا يجعل الباحث يهرع إلى القرآن الكريم أولًا عندما تحيط به الإشكاليّات المختلفة ويطرح بين يديه لمعالجتها.

  • العلاقة بين الكتاب والسنّة في ضوء «علوم القرآن»:

 إلى أي مدى تأثر الكاتبون في «علوم القرآن» بنظرة الأصوليِّين والفقهاء إلى هذه العلاقة؟ وهل كان الموقف موحّدًا في كل من المكيّ والمدنيّ أو أن المدنيّ كان أكثر تعرُّضًا لتأثير الاتجاهات الأصوليّة والفقهيّة في النظر إليه، وفي «علوم القرآن» التي تعلقت به مع استصحاب مَا ورد عن العلاقة بين الكتاب والسنّة في حصة النسخ وإذا كانت السنّة بيانًا للكتاب فما المراد بذلك البيان على وجه الدقة وكيف يكون؟ والقرآن كذلك عُد تبيانًا لكل شيء والسنّة شيء من الأشياء التي يشملها هذا العلم كما نبه إلى ذلك الشاطبي، وهل تعد العلاقة التراتبيّة التي التزمها الفقهاء كما في حديث معاذ العلاقة السليمة؟ وهل للانقسام بين أهل الرأي وأهل الحديث أثر في الإخلال بطبيعة العلاقة بينهما؟ وما آثار تدوين القرآن الكريم والنهي عن تدوين السنن في هذه العلاقة؟ ومتى يمكن القول بظهور هذه الإشكاليَّة؟

يرى البعض أن السنن حينما جمعت إنما جمعت لتكون بديلا عن الفقه أو وسيلة لتقليل الاختلاف الفقهي على الأقل؟ وما أثر الوضع في الحديث؟ وما أثره في الإخلال بعلاقة الكتاب بالسنّة؟ وما سياسة الشيخين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- في تحديد العلاقة بين الكتاب والسنّة؟ وإذا قيل «بإطلاق القرآن» «ونسبيّة السنّة» فكيف ستكون العلاقة بينهما؟ وما الفرق في ذلك -كله- بين مَا اسماه بعضهم «السنّة التشريعيّة» و«السنّة غير التشريعيّة» وما ضوابط كل منهما إذا سلّمنا بصحة وسلامة هذه القسمة وقد استنبط بعض الباحثين «سيرة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأهم وأصح وقائعها من القرآن»؟ فهل يمكن استنباط «السنّة التشريعيّة» خاصة من القرآن المجيد وكيف؟ وما  العوامل التي ساهمت في ظهور اتجاهات نفي السنن والاقتصار على القرآن المجيد وحده قديمًا وحديثًا؟

من أهم من أهتم بتحديد العلاقة بين الكتاب والسنّة الشاطبي، مَا أهم مَا قدمه في هذا الموضوع؟ هل اتخذ جمهرة الأصوليّين خاصة الكتاب والسنّة مصادر لإنشاء الحكم أو الكشف عنه باستنباطه منه أو أنهم جعلوهما مراجع للشهادة على صحة مَا توصلوا إليه باجتهادهم ووفقًا لقواعدهم فتبدو وكأنها مصادر تأصيل لا إنشاء وكشف واستنباط؟

ادعى البعض أن كل آية أو حديث تخالف فقه أصحابه فهي إمّا مؤولة أو منسوخة فهل يعد هذا انطلاقًا من التصور السابق؟

قدم البعض الدليل العقليّ على الدليل النقليّ استنادًا إلى مبدأ «القطع والظن» وقدم البعد القياس على خبر الواحد هل لهذه المذاهب سند شرعيّ؟

هذه كانت مجرد أسئلة، وأظن أن محاولة الإجابة عنها تفتح بابا جديدًا في الدراسات القرآنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *