أ.د/ طه جابر العلواني
إنّ مَا يُعرف «بالدراسات أو العلوم الأمنيّة» قد امتد نطاقها واتسعت مواردها ومصادرها: فلم تعد محصورة في إطار الخبرات والمعارف التي تتعلّق بأبعاد الجريمة للحيلولة دون وقوعها، أو القبض على مرتكبها بعد وقوعها تلافيًا لتكرارها. بل تعدت ذلك -كلّه- لاختلاف الجرائم وتنوّعها، وتعقيد الكثير منها في وسائله وأدواته وميول ونزعات المتعرضين لها، من أفراد وزمر.
ولذلك قد برزت توجهات كثيرة لدى المهتمين بهذا النوع من الدراسات للتعامل مع الميول والفطرة الإنسانيّة، والحقيقة الإنسانيّة ذاتها، والعمل على تحليل جوانبها المختلفة، والكشف عن المصادر والدوافع والدواعي والصوارف التي تتعلّق أو تتحكم في حركات الإنسان وتصرفاته.
وكذلك محاولة فهم وإدراك قضايا المشاعر الإنسانيّة، الإيجابيّة منها والسلبيّة، وكيفيّة التحكم فيها، والتصرّف في توجهاتها بالإنماء أو التحجيم أو مَا إلى ذلك. وقد حملت هذه الأفكار الباحثين في هذه المجالات على الانفتاح على مجموعة من العلوم السلوكيّة والعلوم الاجتماعيّة، فقاد ذلك إلى اكتشاف آثار «البعد الدينيّ» الفاعلة في مجالات التحكم في المشاعر والدواعي والدوافع والصوارف التي تتحكم في حركة الإنسان، وتُسيطر على دوافعه وتُهيمن على «منظومة التحريك نحو الأفعال والمواقف فيه»، وفي هذا الإطار بدأ «توظيف الدين» في البلدان العلمانيّة وفي مقدِّمتها أمريكا، وبدأت تظهر دراسات، وجرى تداول مجموعة من العناوين والمصطلحات والمفاهيم مَا كان من الممكن تداولها من قبل في «العالم العلمانيّ». وتكونت بعض العلوم، أو مجموعات من الخبرات والمعارف التي أخذت أشكال العلوم مثل «علم الاجتماع الدينيّ» و«على النفس الدينيّ» ونحوها.
ولذلك فتحت السجون في أمريكا أبوابها للدعاة والمرشدين الدينيّين على اختلاف أديانهم التي جاوزت الأربعين دينًا ونحلة. وشُكّلت إدارات خاصّة لتنظيم عمل هؤلاء ينفق عليها من ميزانيّة الدولة!! وخُصّصت في السجون أماكن للعبادة وللمحاضرات وللدروس الدينيّة، وذلك لما لمسته الإدارات المعنيّة من آثار هامّة في سلوكيّات السجناء الذين تعرضوا لتلك المؤثرات الدينيّة. ولما كان لكل شيء في الحياة أعراض جانبيّة تظهر بنسب متفاوتة عند التعامل الإنسانيّ مع تلك الأمور -ومنها «الدين»- فقد بدأت تظهر بعض تلك الأعراض الجانبيّة – التي لم تستطع الإيجابيّات الكثيرة إخفاءها أو التقليل من أهميّتها لدى بعض أولئك المتديّنين.
منها: الرغبة في مجادلة الآخرين والاستعلاء عليهم، والرغبة لدى بعض هؤلاء في العزلة والانزواء، أو تكوين مجموعات صغيرة قد تدخل في منازعات مع مجموعات أخرى.
وبدأ بعض الباحثين يتعاملون مع تلك الظواهر الجديدة التي جسَّدت تلك الأعراض الجانبيّة، وقدمت مقترحات لمعالجة تلك الظواهر؛ يمكن أن نطلق عليها «الأمن الدينيّ ».
ويُعنى به: معالجة الظواهر السلبيّة والأعراض الجانبيّة التي تنجم عن «التديُّن»، أو الممارسة الإنسانيّة «للدين».
وهنا يجب أن نلتفت إلى:
1) تاريخ الدين وآثاره في حياة الأمم والحضارات.
2) تعدّد وتنوّع المواقف الإنسانيّة من الدين عبر التاريخ، مع تركيز خاص على الأديان المعروفة «بالأديان الإبراهيميّة الثلاثة» اليهوديّة والنصرانيّة والإسلام.
3) المظاهر السلبيّة للتديُّن الخاطئ، والمظاهر الإيجابيّة.
4) فقه التديّن لدي معتنقي الأديان الثلاثة.
5) الاتصال والانفعال بين الأديان، وتداخل الأديان في بعض الجوانب.
6) الجدل، والحوار، والاختلاف، والمناظرة، والبحث: قواعد وآداب.
7) العنف الدينيّ؛ تاريخه، ونشأته، وتطوره، وسبل معالجته.
8) فضّ المنازعات والاختلافات الدينيّة، آلياته ووسائله.
9) الدين واللغة والتفسير والتأويل.