أ.د.طه جابر العلواني
تابعت منذ فترة النقاش الذي يتكرر دائمًا عندما يبرز أيّ عمل فنيّ لتشخيص بعض الصحابة أو آل البيت، ولم أسترح لكل أنواع الحوارات التي كانت تجري حول ذلك، فلم أسترح لتشكيل فرق شرعيّة تتحوّل إلى مجالس شورى فقهيّة لأفلام أو مسلسلات أو روايات، ولا لفتاوى متعجلة، مهما كانت القيمة التاريخيّة للمرجعيّة التي أصدرتها، وكنت دائمًا أنظر إلى ذلك على أنَّه نموذج صارخ لحوار الطرشان، فكلا الفريقين -الذيْن يتفرعان أحيانًا إلى فرق متعددة- أصم لا يريد أن يستمع إلى الفريق الآخر.
والأستاذ وائل الإبراشي -الذي حلّ محل السيدة الفاضلة منى الشاذلي في قيادة برنامج «العاشرة مساء» على قناة «دريم»- أخذ يشدّني لمتابعة برنامجه، فهو إعلاميّ من الطراز الأول، يتقن تثوير الآراء النائمة -على وزن الخلايا النائمة- ويمنحها كثيرًا من الحيويّة والحياة. وقد استمعت إليه وهو يستقبل الشاب الخجول الحيي «سامر إسماعيل»، الذي قام بتشخيص سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- وأثار ضجة كبيرة في حينه، وانقسم المشايخ حوله قسمين: فمنهم مَنْ تحولوا إلى مستشارين للمسلسل، يقترحون اقتراحات، ويطلبون من مخرج الفيلم والممثلين الالتزام بأمور مَا أنزل الله بها من سلطان، ولا يمكن أن تساهم في ازدهار فن أو تشجع على إبداع. أمَّا الفريق الآخر -المتمثِّل بالمشايخ التقليديّين والمؤسّسات التاريخيّة التي تستمد شرعيّتها وقوتها من التاريخ، لكنَّها تحاول أن تمتد بهذه الشرعيّة التاريخيّة إلى الواقع المعاصر، بقطع النظر عن قاعدة (لا ينكر تغيُّر الأحكام بتغيُّر الأزمان)؛ لأنَّ الزمن عند هؤلاء لا قيمة له ولا تأثير، فهم ذووا عقليّة سكونيّة ترى في الزمن التكرار والتعاقب فقط، أمّا الصيرورة والتغيُّرات النوعيّة فلا اعتبار لها عندهم بطريقتهم الخاصّة- فقد كان رأيهم أنَّ تشخيص الصحابة يُسقط الهالة والهيبة التي ينبغي أن يُحاطوا بها، فرفضوا الأمر بكليّته.
ولقد استمعت للشيخ الذي استضافه الإبراشي وهو يحاور الشاب المسكين الذي شخّص شخصيّة عمر -رضي الله تعالى عنه- وهو يكاد يفترسه؛ لا بلغة المقال فقط بل بلغة الجسم كذلك، فحركات يده وكأنَّه على منبر جمعة، وارتفاع صوته جعل هذا الممثل الشاب كما يقول المصريّون: (في نص هدومه)، وربما ندم على اليوم الذي فكّر فيه في دخول كليّة الفنون، وتعلُّم التمثيل، وربما قال لنفسه: “الأجدر بى لو تخرجت بقالًا أو سمكريًّا ولم أتعرض لمثل هذا الموقف..”.
تباين حضاريّ
ولو أنَّ الشيخ فهم خصائص الحضارة الإسلاميّة وطبيعتها ومميزاتها، وألمّ -ولو بشكل عام- بخصائص الحضارات الأخرى؛ لأدرك أنَّ رفض التمثيل والتشخيص وسائر الفنون المماثلة إنَّما نجم عن اختلاف حضاريّ بين الإسلام وكل مَا أسَّس له من مدنيّة وحضارة وبين الحضارات الأخرى، وكل هذا إنّما هو اختلاف حضاريّ أملته أسس وخصائص كلٍّ من الحضارتين، فحضارتنا الإسلاميّة هي «حضارة كلمة» وليست «حضارة صورة أو تمثال»، فالإبداع العربيّ المسلم هو إبداع الكلمة؛ ولذلك لا نجد العرب والمسلمين في حضارتهم قد تركوا لنا في المدينة المنورة أو غيرها ما هو مثل قلاع الرومان، أو مثل تماثيل وصور الإغريق والرومان الهيلينيين؛ بل تركوا لنا المعلَّقات والشعر الذي كان العربيّ يعتبره أعلى مستويات التعبير عنده، فإذا أعدّ قصيدة نادرة وحازت إعجاب النقَّاد في سوق عكاز فكأنّه جسّد بذلك قلعة رومانيّة بأعمدتها الشاهقة وزخرفتها الجذابة، وربما تفوّق عليها؛ ولذلك تحدّى الله (جلَّ شأنه) بني إسرائيل ومَنْ وراءهم بمعجزات عيسى -عليه السلام-؛ من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وأن يخلق لهم من الطين كهيئه الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله. أمّا عيسى نفسه فهو كلمة الله ألقاها إلى مريم.
إنّ سيدنا محمد -صلّى الله عليه وآله وسلّم- كانت معجزته الكلمة، وقد تحدّى الناس بالقرآن الكريم، وحين طلبوا منه معجزات ماديّة وحسيّة ردّ الله عليهم بقوله: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ (البقرة:108). فحضارتنا حضارة كلمة، وإبداعنا وإعجازنا كلّه يدور حول الكلمة؛ ولذلك ازدهرت لدينا فنون كثيرة، مثل: الخط وجماليَّاته، وكتابة الكلمات على مختلف المواد من خشب وآجر وسواها، وأسواقنا في الجاهليّة وفي الإسلام كانت تقوم على التباري بالكلمة والتباهي بها. وحين نزل القرآن الكريم كان كلمة تتحدى الخلق كلّهم أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثل سوره، أو بسورة واحدة، فثبت عجزهم؛ ولذلك كان لدينا علم نطلق عليه «إعجاز القرآن الكريم».
أمّا الصورة -من تمثيل وتجسيد- فقد ارتبطت بالحضارات التي ورثها الغرب؛ حيث نجد الصور والتماثيل والإبداع في تشكيل المادة التي تقابل في حضارتنا تشكيل الحرف، لكن في الوقت نفسه لم تنكر على أهل التمثيل والتشخيص إبداعهم، فإنّ الله (تبارك وتعالى) قد امتن على نبيّه سليمان بقوله (جلّ شأنه) عن تسخير الجن والشياطين له: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ (سبأ:13). وذلك يعني أنّ الإبداع في التماثيل إبداع معترف به، امتن الله (تعالى) به على نبيّه سليمان (عليه السلام)، ولا يعقل أن يمتن الله (تعالى) على نبي رسول في مثل مقام سليمان بأمر يعتبره معصية! وقد جاء سيدنا محمد -صلّى الله عليه وآله وسلّم- إلى العرب لينذر أمّ القرى ومَنْ حولها، وكان العالم منقسمًا بين قوتين أعظم؛ هما: الفارسيّة في الشرق، والبيزنطيّة والرومانيّة في الشام، وكانت هنالك حضارات في اليمن، وفي كل تلك الحضارات كانت الصورة مقدسة، وانتقل ذلك التقديس إلى العرب لما لهم من صلات وثيقة في رحلات الشتاء والصيف بتلك الشعوب؛ ولذلك فقد أخذوا يصنعون أصنامهم ويعبدونها، وصار لكل قبيلة صنمها الذي تقدسه وتعبده، أو تعتقد أنَّه يقربها إلى الله زلفًا، وما تزال الحضارات التي تأثرت بذلك التاريخ تعظّم الصورة، وتحتفي بها، وتتحنّث لتماثيل عيسى ومريم، وتقدّسها، خاصّة بالنسبة للكاثوليك، وإذا فعل قائد أو حاكم لشعبه شيئًا مميزًا فإنَّه يكافأ بصناعة تمثال له يُذَكِّر الناس به.
ما بين الصورة والكلمة
والصورة، مهما كانت متقنة، ومهما كان المدى الذي يبلغه الفنان فيها لا تسمح للخيال أن يرسم ما يريد، في حين أنَّ الكلمة تطلق للخيال العنان، بحيث تستفز كل طاقاته وتجعله قادرًا على رسم أروع الصور أو أقلها شأنًا، فحين يقول الشاعر هاجيًا شخصًا:
وَإِذَا أَشَارَ مُحَدِّثًا فَكَأَنَّهُ | قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أَوْ عَجُوزٌ تَلطمُ |
هذه الصورة تطلق للخيال العنان، وتجعل المذموم متأرجحًا بين صورتين بشعتين: القرد الذي يقهقه والعجوز التي تلطم، ومن الصعب جدًّا على نحَّات أو مَثَّال أو مصور أن يرسم هذه الصور، وإذا قال الشاعر:
وَكَأَنَّ مُحمرَّ الشَّقيقِ إِذَا تَصَوَّب أَوْ تَصَعَّد | أَعْلَامُ يَاقوتٍ نُشِرْنَ عَلَى رِمَاحٍ مِنْ زَبَرْجَد |
فيتكلم عن الورد المعروف بـ«ـشقائق النعمان»، فأيَّة صورة يمكن للمصوِّر أو النَّحات أو المثَّال أن يضع فيها كل هذه المعاني ويجسّدها! وإذا قال المتغزِّل في محبوبته:
كَأَنَّ فَضِيضَ الماءِ يَخْدِشُ جِلْدَهَا | إِذَا اغْتَسَلتْ بِالماءِ مِنْ رِقَّةِ الجِلْدِ |
فمن الصعب جدًّا على نحَّات أو مثَّال أو مصوِّر فوتغرافي أن يرسم هذه الصورة، كذلك الحال حينما يقول الشاعر:
تَردى ثِيَابَ الَمْوِت حُمرًا فَمَا دَجَى | لَهَا اللَّيلُ إِلَّا وَهِيَ مِنْ سُندُسٍ خُضْر |
مَضَى طَاهِرُ الأَثْوَابِ فَلَمْ تَبْقَ رَوْضَةٌ | مِن الأَرْضِ إِلَّا وَاشْتَهَتْ أَنَّهَا قَبْر |
وقول المتنبي في رثاء جدته:
هَبِيني أَخَذْتُ الثَّأْرَ فِيهَا مِن العِدَى | فَمَنْ لِي بِأَخْذِ الثَّأرِ فِيكِ مِن الحُمَّى |
فكيف يصور المصور الحمى كأنَّه عدو ورجل يطاردها لأخذ الثأر منها! وما إلى ذلك كثير، فهو خلاف بين حضارتين.
من السنّة
وقد ورد في السنَّة أحاديث خمسة تشدد النكير على التصوير، وأخذها الناس كما هي:
- عن مسلم قال: كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير، فرأى في صفته تماثيل، فقال: سمعت عبد الله (يعني ابن مسعود)، قال: سمعت النبي -صلّى الله عليه وآله وسلّم- يقول: “إنّ أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصورون[1]“.
- عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- قال: “إنّ الذين يصنعون هذه الصور يُعذّبون يوم القيامة, يُقال لهم: أحيوا ما خلقتم[2]“.
- عن أبي زرعة قال: دخلت مع أبي هريرة دارًا بالمدينة، فرأى أعلاها مصوِّرًا يصوِّر، قال: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- يقول: “ومَنْ أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا حبَّة, وليخلقوا ذرَّة[3]“.
- عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قدم رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- من سفر، وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل, فلمّا رآه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هتكه، وقال: “أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله”. قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين[4].
- عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلمّا رآها رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- قام على الباب فلم يدخله، فعرفت في وجهه الكراهية، فقالت: يا رسول الله، أتوب إلى الله وإلى رسوله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: “ما بال هذه النمرقة؟” قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: “إنَّ أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون, فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه الصورة[5].
وهذه الأحاديث الخمسة عندي لا بد أن تقرأ بمنهج سليم نستطيع استنباطه من قوله عليه الصلاة والسلام: “لولا قومك حديثوا عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إسماعيل”، فرسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلَّم- كان يعلم قواعد إسماعيل ويعلم كيف يستطيع أن يستكمل بناء الكعبة وفقًا لقواعد إسماعيل ويجعل لها بابين للدخول وللخروج، ولكنَّه يعلم -صلّى الله عليه وآله وسلَّم- أنَّ العرب كانوا حديثي عهد بجاهليَّة، فخشي أن يفتتن العرب ويقولون بأنَّ محمدًا -صلّى الله عليه وآله وسلَّم- قد تجرّأ على الكعبة وهدمها وغيَّر بناءها؛ فيفتنهم ذلك عن الدخول في دين الله، فأجَّل هذه الخطوة الصحيحة التي كان -عليه الصلاة والسلام- يتمنى أن يقوم بها لولا حداثة عهد القوم بالجاهلية. والتصوير إذا أطلق في بيئة قريبة عهد بعبادة الأصنام فيمكن أن يؤدي إلى فتنة، فمن المعروف أنَّ العرب في جاهليّتهم كان بعضهم يصنع أصنامه من تمر فيتحنث لها ما شاء فإذا جاع أكلها، وكان أحدهم يستحلي حجرًا ما فيتخذه صنمًا يعظمه ويتحنث له، فإذا وجد حجرًا أجمل منه وأحسن ألقاه وأخذ الحجر الآخر، فهناك خوف في مثل هذه البيئات أن يُفتن الجاهلون عن دينهم لو أبيحت هذه الأمور بإطلاق؛ فلذلك كان لا بد من ذلك الموقف المتشدد الذي لا يتنافى مع موقف القرآن الذي أشرنا إليه مع سيدنا سليمان.
آثار ماضية
وقد أمر الله )جلَّ شأنه( بالنظر في آثار الماضين، ودراستها، واتخاذ العبرة منها: ﴿… وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ﴾ (الحج:45)، ﴿كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ*وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ*كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ*فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ (الدخان:25-29). وحين انتشر الإسلام ودخلت حضارات أخرى فيه وجدنا الأتراك والفرس معًا قد قاموا بتصوير وتمثيل قصة الإسراء والمعراج وقصص أخرى، ولم يستثنوا حتى صورة رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلَّم-؛ ولذلك نجد صورته -صلّى الله عليه وآله وسلَّم- في المصادر التركيَّة والفارسيَّة وهو يركب البراق وينزل منه ويمشي ويتحرك في ذلك كلّه، وبالطبع لم تكن صورة حقيقيَّة ولم تؤخذ من المصادر الإسلاميَّة مباشرة، لكن فنانيين معينين قد رسموا تلك الصور، ورسالة الدكتور ثروت عكاشة -الذي تقلد منصب وزير الثقافة والإرشاد القومى 1958 – 1962- التي كانت للدكتوراه في الآداب من جامعة السربون باريس 1960م، كانت تحقيقًا لمجلّدين ضخمين استعرضا قصة الإسراء والمعراج وبعض أحداث السيرة بالصور، ووجدنا لدى الفرس مجلّدين آخرين يجسّدان -تصويرًا- تلك الوقائع كلّها، وما وجدنا إنكارًا على ذلك من علماء الفرس أو الأتراك أو الهنود في وقتها، مما يؤكد أنَّ الخلاف في هذه الأمور إنَّما هو خلاف حضاريّ أكثر منه دينيّ.
وقد ذكر ابن كثير في تفسيره حديث لقاء أبي سفيان ووفد قريش بهرقل، وكيف أنه استعرض لهم صورًا لبعض الأنبياء، ومما ورد في هذا الحديث: “ثم فتح بابا آخر، فإذا فيه صورة بيضاء، وإذا -والله- رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم، محمد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: وبكينا. قال: والله يعلم أنه قام قائمًا ثم جلس، وقال: والله إنه لهو؟ قلنا: نعم، إنه لهو، كأنّك تنظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها، ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت، ولكني عَجَّلته لكم لأنظر ما عندكم”.
من هنا نستطيع أن نكتشف أن مشايخنا -عفا الله عنهم- حين يعالجون هذه الأمور ينبغي أن يعالجوا أمورًا معلومة لهم، ومفهومة بشكل دقيق؛ لئلا يسيئوا إلى سمعة الإسلام ورسالته، ويقلّصوا من وسائل تعريف الناس به لمجرد الهوى وقلة المعرفة؛ ولذلك فقد رأينا أن نعقد ندوة ونتحاور فيها لنقدم نتائجها وما تتمخض عنه إلى الفنانيين والفنانات؛ لينطلقوا في فنونهم نحو تعريف الناس بالإسلام وتعزيز الثقة به، والكشف عن محاسنه لهم بهذه الوسائل الهامة (السينما والتلفاز) وما إلى ذلك، حيث إنَّ الحضارة المعاصرة التي هزمت حضارة الكلمة ودفعتها إلى الانزواء وقدّمت عليها حضارة العلم والمادة تفرض على الدعاة أن يستفيدوا من كل وسيلة فعّالة متاحة في تعريف الناس بالإسلام ونشر دعوته، وبيان محاسنه، ولعل فيما نقدّمه ما يغير ولو قليلًا من اتجاهات النقاش في هذا الموضوع، ويوفر على أصحاب الفضيلة أوقاتهم إن شاء الله.
([1]) رواه البخاري في كتاب اللباس باب عذاب المصورين يوم القيامة (5494) وسلم في كتاب اللباس والزينة باب تحريم صورة الحيوان واتخاذ ما فيه صورة (3941).
([2]) البخاري (5495) ومسلم (3942).
([3]) رواه البخاري في الكتاب نفسه باب نقض الصور (5497) ومسلم في الكتاب والباب نفسهما (3947).
([4]) رواه البخاري في الكتاب نفسه باب ما وطني من التصوير (5498) ومسلم في الكتاب والباب نفسهما (3937).
([5]) رواه البخاري في كتاب اللباس باب من كره القعود على الصورة (5500).