Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

د.أحمد العلواني

علمني أبي

ما شكرت الله على نعمة شكري له على نعمة نشأتي في كنف والد مثل أبي –حفظه الله- وبيت علم كبيت أبي. تعلمت منه ولا أزال تعهده لكتاب الله حيث جعله أنيس وحشته، وجليس خلوته، ورفيق دربه، وضياء فكره، ومحور عمله.

شجعني والدي –حفظه الله- على حفظ القرآن الكريم منذ صغري، ولم أجده يتحسر على شيء تحسره على أن شيخه الأول في الفلوجة كان ينهاه على حفظ كتاب الله حتى لا ينشغل به عن طلب العلم الشرعي.

كانت حكمة والدي قرآنية يأخذ من كتاب الله العبرة، ومن جرسه النبرة، ومن علل القرآن علته ودليله، ومن أدب القرآن أدبه، ومن رقة القرآن رقته، ومن عفو القرآن صفحه، ومن حب القرآن حبه، ومن هدي القرآن هديه.

ومن ذلك الموقف مع شيخه الأول وغيره تعلمت أن كل إنسان يأخذ منه ويُدع وأن لا ضير أن أختلف في الرأي مع من هم أكبر مني سنا، وأكثر مني علما ومعرفة، ولكن بأدب العالم والمتعلم.

فقد جسد –حفظه الله- هذه الخصال بمدارسته لطلابه ولي على صغر سني، وكان ولا يزال –حفظه الله- لا يدع فرصة تمر إلا ويسألني عن رأي فيها ويشجعني على مناقشته حتى في أدق تخصصاته التي أعلم أنه يعرف فيها ما لا أستطيع معرفته لو قضية بقية عمري في دراستها. وكان يقول لي عند بلوغي سن المراهقة “إذا كبر أبنك خاويه” فكان نعم الأخ ونعم الصديق ونعم الأب والوالد.

كان –حفظه الله- يصطحبني معه في كثير من مجالس العلم، بل وحتى في مناقشة رسائل الدكتوراه لطلابه على صغر سني، بل ومشاركته لقاءاته مع طلاب الدكتوراه عندنا في البيت. وتعلمت منه كيف يكون الإنسان موسوعيا بمدارسته القرآن الكريم، فكانت آراءه ثاقبة، ونظراته صائبة في الكثير من أمور الحياة السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية وغيرها منطلقا بها من هدي القرآن الكريم.

تعلمت منه حبه وشغفه بالعلم النافع بكل أنواعه، وهو الذي تعلم اللغة الإنجليزية وهو ابن الخمسين، ومازال يطور نفسه قدر المستطاع. ورأيت حرصه على الاستماع لأهل العلم، فكم كان يحرص على لقاء شيوخ أفاضل مثل الشيخ الغزالي –رحمه الله- وشيخه وأستاذه عبد الغني عبد الخالق –رحمه الله- والذي أذكر له طول سجوده في الركعة الأخيره من صلواته حين تكاد عروق وجهي تنفطر.

عشقت من أبي –حفظه الله- حب التأمل في الخلوة والاجتماع، فعندما كنا نذهب إلى بر الرياض في ظلمة الليل كان يأخذ بيدي وينشد:

عوى الذئب فاستأنست للذئب لما عوى   وصوت إنسان فكدت أطير

ومع ذلك وجدته –حفظه الله- ليس أحدًا أشد منه سعادة بالاجتماع بطلابه وأهل العلم فكان يردد ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .. (الكهف:28) عندما يجد من أهل العلم وإخوانه ما يزعجه، وذكر لي كيف أن لأهل العلم طبائع نابية وأحيانا شاذة، وعلى طالب العلم تحملهم.

تعلمت منه كيف يكون الإنسان رساليا يعمل بما يؤمن به، فلم يهدأ لي بال حتى وقفت على ثغرة من ثغور المسلمين. وأذكر أنه عندما عاد من أول زيارة له لشيكاغو في أوائل السبعينيات قرر ترك الدخان مع إدمانه المفرط له، وهدفه لم يكن لا لعلة ولا مرض إلا أنه خاف أن يُفتن به الناس بعد أن صارحه أحد المسلمين الجدد بذلك.

تعلمت منه أن لا يخاف الإنسان من التجوال الفكري طالما كان مركز ثقله هو القرآن الكريم. ونقطة انطلاقه مبنية على هدي القرآن المجيد. وتعلمت منه حب مصر وأهلها وشيوخها وعلماؤها.

أمد الله (تعالى) في عمر والدي الكريم، ومتعه الله (تعالى) بالصحة والعافية حتى يحقق كل أمنياته وينهي كل مشاريعه العلمية والفكرية والأكاديمية للمساهمة في بناء أمة القرآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *