Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

حوار حول فقه الأقليات

 مقتطف من مقابلة مع د. طه جابر العلواني حول فقه الأقليات

 

المؤثرات على الفقيه:

أنا كفقيه عندما اتحدث عن فقه الأقليات أتأثر بأشياء عديدة و لكن لا ينبغي أن أخرج عن الأصول و القواعد التي تجعل من القرآن الكريم المصدر المنشئ لكل حكم شرعي. فلا مصدر عندنا للأحكام إلا القرآن وحده، فهو المصدر المنشيء للأحكام والكاشف عنها. و أما السنة النبوية فهي تابعة له و تدور في فلكه دوران التابع للمتبوع و دوران المطبق للنظرية. فالقرآن يعطينا نظرية و السنة تعطينا منهج للتطبيق، وهما مصدران متعاضدان لا ينفك أي منهما عن الآخر فلكل سنَّة ثابتة أصل في القرآن المجيد يستند إليه. وآيات الكتاب الكريم يتلوها رسول الله بعد تلقيه لها ويعلّمها للناس ويزكيهم بها وبذلك يتابع –عليه الصلاة والسلام- حركة الآيات في واقع الناس لتزكيته وتطهيره والارتقاء به. وما غير ذلك فإنَّه يعتبر اجتهادات علماء و هي لا تلزم الإسلام بشئ على الإطلاق، فلا يلزم الإسلام إلا الدليل الصادر من الكتاب و تطبيقاته من السنة النبوية.

فالفقيه ينبغي أن تكون العلاقة عنده واضحة بأن “إن الحكم إلا لله” ( و إن مع الاستثناء في اللغة تفيد الحصر و القصر). فليس لأحد حق التشريع إلا الله وحده.

س: إذا فما هو تصنيفكم لدور الاجتهاد؟

ج: دور الاجتهاد هو التلقي. أن نتلقى النص مع فهم الواقع فهمًا جيدًا بحيث ننزّل هذا الحكم على هذا الواقع بما يناسبه. فالاجتهاد يقوم على ركنين: الأول دراسة النص (text) استنباطا و استدلالاً؛ ثم معرفة الواقع. وفي عصرنا هذا يقوم الفقيه بصياغة مشكلات الواقع ليلقى بها أسئلة على النص و هناك قواعد و ضوابط للتفسير و التأويل فلست حراً أن أقول ما أريد… “هل عندكم من سلطان بهذا” … “و لا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال و هذا حرام”. فالاجتهاد حالة عقلية و نفسية للأمة –كلّها- بحيث لا يكون فيها من يقبل ما لا برهان عليه وما لم ينزل الله به سلطانًا و ليست حرفة استناداً إلي المصدر القرآني.

س: نعود إلى فقه الأقليات.. كيف بدأت الفكره؟

ج: أنا –فيما أعلم- أول من كتب في هذا الأمر،وقد كان المتقدمون يكتبون في “فقه النوازل”، و قد كتبته بفلسفة معينة و باعتباري مواطنًا أمريكيًا تعرض عليّ عشرات المسائل يومياَ و التقيت بالمسلمين في كثير من أنحاء العالم. لم يكن الغرض في الأصل هو كيفية ادماج أقليّات المسلمين في غيرهم حيث إنّ عندهم أصلاً استعداد للتقليد و التبعيّة و الذوبان بحكم بيئتهم الأصلية. نجم عن العيش في ظل التقليد قرونًا، فنحن على استعداد أن نذوب في أي مجتمع أو ثقافة. فقد ورثنا فكرة التقليد (imitation) في مقابل فكرة الاجتهاد الذي يمكن تصنيفه أنّه تفكير إبداعيّ يقوم به عالم مؤهل في علوم الدين و اللغة لاستنباط حكم و استدلال بنص على حكم. و القرآن يحث على الاجتهاد في عدة مناسبات.

س: فما هي إذاً الدواعي التي أدت إلى تأسيس فقه الأقليات؟

ج: عندما كنت في أمريكا لاحظت قدوم ثلاث موجات للهجرة المسلمة. و قد ذابت هذه الموجات تماماَ في المجتمع الأمريكي و أصبحوا أمريكان قلباً و قالباً. الاسلام انتشر في جنوب شرق آسيا و غيرها من خلال التجارة، و نحن الآن في أمريكا منا الاساتذة و الطلاب و الأطباء و المهندسون فنعد كوادر المجتمع و قلة من المسلمين هناك هم الفقراء و يجب أن نستغل هذا الوضع الاجتماعي الجيد بشكل أفضل. فغرض فقه الأقليات الأساسي هو أن نمنع الموجة الرابعة من الذوبان مثل سابقاتها، فنعطي للمسلم و المسلمة شخصيتهم المستقلة من خلال فقه لا يجعلهم يعيشون حالة من انفصام الشخصية بحيث تكون عندهم شخصيتين متناقضتين: مواطن أمريكي و انسان مسلم.

الغرض الثاني من فقه الأقليات هو أن نحول بين المسلم  و بين أن ينقل ما في البيئات المسلمة من مظاهر التخلف و الانحراف الى بيئة الأقليّات المسلمة في الغرب لأننا نريد منه أن ينقل أحسن ما لديه و أن يتجاهل أسوأ ما لديه ليكون داعية بسلوكه المستقيم للإسلام.. كيف؟ دفع الفقه  أي فقه له علاقته بالثقافة العامة أنه أحد الأركان المؤسسة لتلك الثقافة. فالثقافة تعطي مدخلات للفقه بأسئلتها و في نفس الوقت يؤدي إتباع إجابات الفقيه إلى سلوكيات بقصد تحول إلى ثقافة فيما بعد. و هذه الثقافة تحركنا وبغير قصد. هذه العلاقة الجدلية بين الفقه و الثقافة وثيقة، فالفقه الإسلامي صنع في عصور الانتاج و التوزيع و الاستهلاك فيها كانت خاضعة لمقاييس المجتمعات الزراعية لا الصناعية. فالفقيه عندما ينقل هذا الفقه إلى البيئة الصناعية و هو خاضع لنفس التصور القديم سوف يصطدم حتماً بفتاواه في الواقع.

على سبيل المثال في حالة الـ (mortgage) افتى العلماء التقليديون بحرمته، أما أنا فقد كنت أرى فيه أمرًا مغايرًا لمفهوم الربا في القرآن وتطبيقات السنة وذلك يخرج كثير من أنواع المعاملات من دوائر الربا المحرّم.  فالنظام الاقتصادي الأمريكي يقوم بتقدير ثمن المنزل ثم يحسب عمره الافتراضي و يحاول أن يجعل ربحه أعلى قليلاً من  سعر الفائدة في البنوك…

س: هل يعني ذلك أن فتوى جواز الـ (mortgage) تستند على فكرة أنه ليس ربا من حيث الأساس أم أنها لدواعي الضرورة؟

ج: لا، أنا أصلاً حين أدرس بعناية النظام الاقتصادي الأمريكي وفلسفته لا أجد حقيقة ربا القرآن والسنّة موجودة فيه من حيث الأساس، لأن الفكرة في زيادة الفائدة في البنك و إنقاصها مرتبطة بالتضخم (inflation) فعلى سبيل المثال إذا اقترضت منك مائة جنيه و كانت تساوي حينها جرامًا من ذهب، و الآن هذه المائة جنيه أصبحت قيمتها تساوي نصف جرام ذهب فقط فالهدف يصبح أن أرد لك القيمة الأصلية للمبلغ التي تمكنك من شراء جرام الذهب. إذاً يصبح هدف فائدة البنوك أن تحتفظ لك بقيمة نقودك كما هي، وتحميها من آثار التضخم لا أن تحقق ربحًا على قرض يكون بمثاية ثمن للزمن الذي لا يملكه الإنسان وليس له أن يتجر فيه.

س: و لكن كيف يكون حكم كهذا مختلفاً عن بلاد المسلمين؟

ج: أنا لا أراه مختلفاً لكن الفقيه هنا في المشرق لا يفهم إلا هذه اللغة و لا يزال يؤمن بمصطلحات مثل دار الحرب فإذا قمت بتعميم الأمر فسوف يقوم بمعارضتي وقد يتهمني بأنني أفتي بما يخالف رأي الجماعة أو الاجماع.

الدورة الاقتصادية الغربية و ارتباطها بفكرة التضخم تجعل على سبيل المثال هذا القلم اليوم ثمنه جنيه، غداً يصبح جنيهًا و نصف … فماذا أفعل كي أنصفك؟ أقوم بزيادة القيمة الشرائية للجنيه الخاص بك بحيث أجعله متماشياً مع أسعار السوق و الدورة الاقتصادية.

س: لماذا أشرت إذا إلى أن الإباحة تكون في حالة الضرورة؟

ج: أنا لا أرى أنها تكون في حالة الضرورة فقط. فدورة الاقتصاد الغربي مختلفة عن تلك الموجودة في البلاد الإسلامية. فعندنا في الشرق هنا لا توجد دورة إقتصادية فهو نظام اقتصادي غير متقدم. و عندما يأتي عالم من هذه البيئة و يريد أن يفرض هذه الثقافة على مجتمع متقدم فهو بذلك يضعف الأقليات المسلمة و يعمل على إفقارها. هدفي أن أعلمهم أن فائدة البنك ليست هي ربا الدين، و أن البنك عندما أقرضني، لأن عنده دورة اقتصادية، يجعل المال يعمل مع الوقت و الانتاج و التوزيع و الاستهلاك و لا يفصل مكون عن الآخر.

س: هل يمكن أن نفسر ذلك أن فقه الأقليات يتجاوز كونه فقهًا للإستثناءات و لكنه يتمحص في قضايا و خصائص الواقع أمامه ليخرج بفتاوى متناسبة معه بفكر الغرب و ليس بثقافة الدول الإسلامية؟

ج: أجل، فعلى سبيل المثال عندما يسألني العراقي هل أدخل الانتخابات في ظل الاحتلال الأمريكي للبلاد أقول له لا. في حين أنه عندما يأتيتي المسلم الأمريكي و يسألني هل يدخل الانتخابات فأجيبه يجب عليه أن يدخل و قد أوصيه أن يعطي صوته لفلان بالتحديد لأننا تناقشنا معه حول بعض القضايا و التسهيلات الخاصة بالمواطنين المسلمين والتزم ووافق العمل لتحقيقها. فهذه فتوى و هذه فتوى إلا أن هذا لا يعد فقه دين و لكنه يسمى فقه تدين، وفقه التدين هو فقه تطبيق الدين فأنا بشر لي ظروفي فكيف استجيب لهذه الظروف و أربط الدين بواقعي بحيث أتقرب إلى الله من خلاله… ذلك هو فقه التدين.

فعلى سبيل المثال عندما تسألني فتاه فرنسية مسلمة اجبرت على خلع الحجاب في المدرسة  ماذا تفعل؟ الفتوى التقليدية ستنصحها إما أن تترك البلد أو أن تمكث في المنزل و تتزوج. أما أنا فأنصحها بخلعه داخل المدرسة و ارتدائه ثانيةً عند خروجها إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. ففقه الأقليّات هدفه المحافظة على الشخصية الإسلامية في الغرب أولاً و من أجل دعوة غير المسلمين إلى التأثر بالإسلام و قبوله ثانياً.

س: ماذا عن دور الأمة الإسلامية و رسالتها؟ كيف تربطها بفقه الأقليات؟

ج: أنا أقول للمسلم كن نموذجاً لغيرك وتلك هي(الدعوة الصامتة) فمصر على سبيل المثال لم تفتح بالعسكر و إنما فتحت بمدينة الفسطاط التي قام ببنائها المسلمون لتكون مثالً و قدوة و كانت سبباً  كبيراً في دخول عدد كبير من المصريين في الإسلام.

س: كيف يفسر أو يؤصل فقه الأقليات للوجود الإسلامي في المجتمعات غير المسلمة؟

ج: الواقع يقول: إنّ الهدف الحقيقيّ و الأصليّ، لإقامة هذا العدد من المسلمين هناك يرجع إلى أسباب سياسية و اقتصادية و اجتماعية و قلما يكون هدفهم هو الدعوة. ففقه الأقليات يحاول أن يتعامل مع هذا الأمر الواقع و يستفيد منه أقصى إستفادة. فقد وجدنا مسلمين هناك نريد أن نحافظ على هُويّتهم الإسلاميّة ونحميها من الذوبان، فنقول: عش في الغرب -إن شئت- و لكن  عش هناك مسلمًا غربيًا فلا تخن البلد الذي تعيش فيه و أحبه مثل ما أحببت وطنك الأصلي. فمادمت تملك حرية العبادة و التدين فهي أرضك و أرض الله. و نحن هنا نسعى إلى أن ننقذ ما يمكن إنقاذه.

س: هل هذا معناه أن الهدف الأساسي من فقه الأقليات هو حفظ الدين؟

ج: حفظ الهوية والدين مصدر من مصادرها… فنحن نريد أن نؤصل للوجود الاسلامي حيث لا يكون وجوداً طارئاً و إنما يكون وجوداً دائما مستقراً يشكل جزءاً من المجتمع الغربي. لأن المسلم يحمل خطابًا عالميًا فالله أمرنا بإيصال “لا إله إلا الله” إلى كل بقاع الأرض. فالإسلام قائم على ثلاثة دعائم  و هي المقصد الأساسي منه: (1) التوحيد: أي تحقيق وحدانيّة الألوهيّة و العبادة لله وحده؛ (2) الأمة: أي تشكيل أمة تكون نموذجا يهتدي الناس به لتقوم بواجب (الشهادة)؛ (3) الدعوة:أي أيصال القرآن لكل ركن من أركان الأرض

س: ما هو المقصود بالنموذج؟

ج: أنا أريد أمة تدعو إلى الله على بصيرة، خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر و تؤمن بالله قائمة على فكرتي الخيرية و الإخراج و تقوم على واجب الشهادة.فالإنسانية في حاجة إلى الأمة الإسلامية القائمة لله هدفها تحقيق رسالة الله بشكل ما في ظرف ما.

س:تحدثنا عن حالة الـ (mortgage) و كيف تستجيب لظروف الغرب و نظامه الاقتصادي… فماذا عن حالة إسلام الزوجة؟ هل هي أيضاً مختصة بالغرب أم على المسلمين كافة؟

ج: الإسلام جاء ليعمر البيوت لا ليخربها؟ إذا طبقنا الفقه التقليدي يصبح الأمر في نظر الغرب أن الإسلام  يساوي خراب بيت، و أنك أيتها المرأة إذا دخلتِ في الإسلام سيخرب بيتك، فلابد من معالجة هذا الأمر وعندما تناولنا هذا الموضوع عرضنا وجهة نظرنا وأدلتنا بشكل مستفيض، وقد ذهب المجلس الأوربي إلى مثل ما ذهبنا إليه. فارجعي إلى ذلك،. و إن كان هذا الحكم يمكن تطبيقه على الأكثرية أيضاً فهو بالأصل انتج للأقلية، بالنسبة للأسرة وللمرأة بالذات، وقد بينّا الضوابط فيه. فيجب أن تراعي الضوابط مثل أن لا يضيق عليها زوجها في دينها، و أن تكون هي نفسها راغبة في البقاء معه.فارجعي إلى ذلك –كلّه- وادرسيه لتتبيني حقيقة الفتوى وأدلتها.

س: ما هي الخصائص المختلفة في فقه الأقليات التي تجعله قادراً على التعامل مع قضايا الأقليات أفضل أو بشكل مختلف عن الفقه العام التقليدي؟

ج: فقه الأقليات فيه ملاحظة للمجتمع الغربي و انظمته. إلى جانب فلسفة الرغبة في توطين الإسلام هناك و الخروج من فكرة الوجود الطارئ للمسلمين هناك الى كونه وجود مستمر. فالاندماج لا يعني أن أزيل الحواجز بحيث أصبح نسخة نمطية من الأمريكي العادي. و إنما هو الإندماج الإيجابيّ هو في أن يعيش المسلم بإسلامه و هُويّته الإسلاميّة و لكن في مجتمعه الغربيّ و هي بالضرورة تكون هوية مختلفة عن هوية المسلمين في مجتمعات الأغلبية. فأنا أقول له: عش هناك و وطّن الإسلام معك، وعش به وفيه. وادع إليه سواك بسلوكك وحسن إسلامك وتصرفاتك.

س: أخيراً، كيف ترى موقع فقه الأقليات على خريطة الفقه العام؟

ج: هو عبارة عن تطوير لفقه النوازل الذي عرفه فقهنا جيداً منذ القدم، إلا أن مفهوم النوازل يفرض حالة من الشعور بالدونية و السلبية و التوقيت. و الغرض ليس فصل المسلمين في الغرب عن باقي المسلمين كما يتهم البعض الداعين للأخذ به في تلك البيئات، و لكن وجود المسلمين في الغرب يعد ميزة يجب أن يستفيدوا منها و لا أريد أن يتعاملوا مع الأمر على أنه استثناء أو ضرورة (فأنا موجود هناك باختياري.. فكيف يكون وجودي ضرورة؟) و لكنه أمر يقبله الإسلام من حيث الأساس لاختلاف الظروف و بالتالي الأحكام.

والإسلام أولا وأخيرًا دين وخطاب عالميّ، مهمتنا أن نعيش وأن نحمله إلى الأرض كلّها، وكل من يعيش فيها وعليها، والله أعلم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *