أ.د/ طه جابر العلواني
منذ دخول نابليون مصر وبدء الغرب بتصدير أفكاره إلى العالم الإسلامي والأزهر والخطاب الديني فيه مستهدف، فهو دائمًا موضع نقد وهجوم، وقد وجدت فئات مختلفة في التعليم والإعلام وسائلها الفعالة في التنديد بهذا الخطاب، ومحاولة عزله والاستيلاء على أوقاته وإماتته بشتى الأشكال.
وقد التقط ذلك الخيط قادة بعض الحركات والتيارات السياسيَّة الإسلاميَّة؛ لتخرج الفقيه من دائرة المرجعيَّة وترشيح نفسها بديلًا عنه في تمثيل الإسلام وتوظيفه في انتشار جماعاتها، فتعالت أصوات قادة الجماعات بأنَّه لا يوجد رجال دين في الإسلام ولا هيئة إكليروس والتأكيد على أنَّ كل مسلم هو رجل دين … إلخ.
وقد نتج عن ذلك صراع نستطيع تسميته الصراع بين المفكر والفقيه؛ ولذلك فإنَّ الخطاب الديني يحتاج إلى مراجعات دقيقة من أهله أولًا، فهم الأعرف به وبثغراته وبعناصر القوة والضعف فيه.
ولابد من مراجعة ذلك التراث في إطار منهجي منظم ودقيق يعيد الارتباط بين المصادر التي تولد هذا التراث بادئ ذي بدء؛ لخدمتها وتأييدها وحسن عرضها وترجمتها إلى واقع، ولابد أن تنبه الجهات المعنيَّة لحماية هُويَّة الأمَّة وإلى خطورة استرسال الجهلة وخصوم التراث بنقده بالحق وبالباطل، فإنَّ إضعاف التراث من غير أهله وبدون منهج معتبر سوف يدمر هُوِيَّة الأمَّة وانتمائها ويؤدي إلى تشتتها، ويسمح للتطرف والمتطرفين بأن ينادوا بأنفسهم أنَّهم ممثلون للإسلام الحقيقي ويشرقون به ويغربون كما يشاءون وفقًا لمصالحهم السياسيَّة واتجاهاتها.
فإذا كان هذا قائمًا فإنَّ لدينا خبرة طويلة في مراجعات التراث ونقده، وميز ما يحمل بدوره العنف والتطرف والانحرافات بكل أشكالها عن تراث نقي استنار بالقرآن المجيد ودار حوله حيث دار، ويمكننا أن نضع الخطط اللازمة -إن شاء الله- لذلك.