Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الإرهاب والإسلام والمسلمون

أ.د/ طه جابر العلواني

         منذ أن طرحت إدارة رئيس أمريكا الحالي جورج W بوش بعد 11/9 شعار “محاربة الإرهاب” والعالم –كله-يرددّ مكرهًا أو مختارًا ذلك الشعار، ويكررّه تكرارًا لم يحدث من قبل لأي شعار آخر. وقد أخرج الرئيس الأمريكي ذلك المصطلح الشعار من دائرة الشعارات إلى دائرة السياسيات الشاملة والإجراءات المتواصلة في سائر المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والإعلامية والسياحية والعسكرية والتجارية والاتصالية والعلاقات الدولية وعلاقات الحرب والسلام.

      وقد شملت “الحرب على الإرهاب” المسلمين كافَّة والعالم الإسلامي –كلّه-وطالت المصادر الإسلامية وأركان الإسلام، ونظم الإسلام للحياة، والتاريخ الإسلاميّ والتراث والحضارة الإسلامية. فوضع ذلك –كلّه-في قفص اتهام واسع شمل “ديار الإسلام” كافّة.

     ثم بدأت إدارة الرئيس جورج w بوش تصدر بتثاقل شديد شهادات البراءة أو إسقاط الاتهام لمن يثبت من سلوكه من المسلمين حكامًا أو محكومين حكومات وشعوبًا، وإثمان هذه الشهادات باهظة مكلّفة دفعت شعوب وأقطار وحكومات وأسر ومجتمعات وأفراد كثيرون تلك الأثمان الباهظة لها فحكومات فقدت كل ما كان بينها وبين شعوبها من روابط ووشائج، وشعوب سادتها النقمة والاضطراب وخيبة الأمل وهي ترى ما قد حل بديارها من بلاء لا عهد لها به إلا في ظروف نادرة استثنائية، وجماعات فقدت روابطها بشعوبها وبأوطانها فضلًا عن حكوماتها فلجأت إلى العنف بكل أنواعه ضد شعوبها وحكوماتها، بل ضد أنفسها في بعض الأحيان.

     و” للإرهاب” في حياة الجنس البشريّ تاريخ طويل، وهو يبرز ويختفي وفقًا لمجموعة من القواعد والقوانين الاجتماعيَّة والتحولات الحادَّة في مسيرة النوع الإنسانيّ. وبقطع النظر عن تحديد “مفهوم الإرهاب” ودلالات هذا المفهوم والاسقاطات عليه لأنّه أمر سندعه للباحثين فإنّنا ندرك أن هذه الظاهرة –ظاهرة الإرهاب والإرجاف وما يتصل بها قد برزت في بعض فترات الانحراف في تاريخنا، أو أبرز مثلها (كما في ثورة الزنج والقرامطة، وعمليات الحشاشين). وحين نرصدها في تلك الفترات المظلمة، أو نرصد أمثالها فإننا نرصد أمثالها فإننا نجد هذه الظاهرة تقوم على دعامتين أساسيتين لكل منهما انعكاساتها وهما:

 

1-دعامة “الغلو”.

2-دعامة “الافتئات على الأمّة”.

      أمَّا “ظاهرة الغلو” أو الدعامة الأولى فإنّها تحدث في الأمم المتديَّنة، مثل اليهود والنصارى وغيرهم فلا يستغرب حدوثها أو في حدوث مثلها لأمتنا المسلمة خاصّة حين تضطرب العلاقة بين الله والإنسان والكون. هذه العلاقة التي على أساس منها متين تقوم “العقيدة” ويبني “التصور”.

     فإذا أصاب الرؤية الإنسانيَّة الكليَّة أو جزئيَّاتها اضطرابًا في إدراك طبيعة هذه العلاقة بين الله والإنسان والكون اضطرب التصور، واختلت العقيدة.

     فقد يضطرب الإنسان في رؤيته لإلهه وربَّه وخالقه. فاليهود تجد بعضهم يقول: “نحن أبناء الله وأحباءه”، وتجد بعضًا آخر يقول فيه (تعالى) “رب الجنود” وكأنه –تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا-قائد قوميّ لشعب بني إسرائيل واضطربت النصارى في تصورها له (سبحانه) فغلت في دينها وثلثت ووقعت فيما وقعت فيه من انحرافات في الفكر والتصور والمعتقد.

 وقد يضطرب الإنسان في رؤيته لذاته وحقيقة وكينونته.

وقد يضطرب الإنسان في رؤيته للكون.    

     وكل ذلك من شأنّه أن يؤدي إلى اضطراب في إدراك طبيعة العلاقات بين الله (تبارك وتعالى) والإنسان والكون.

     وهذا قد يحدث مع أن الإنسان مدرك أنه مؤمن بالله وحده لا شريك له، وأنّه موحِّد لا يشرك بربه أحدًا وأنَّه سليم العقيدة، وأنه وأنه …. فاضطرب الرؤية لا يبدو ظاهرًا لدى صاحب المعتقد الذي تعلم العقيدة من كتب العقيدة أو علم الكلام أو لدى تلك الأمَّة فإنّه حين يعرض نفسه أو عقيدته على هذه الكتب، لن يستطيع اكتشاف ما ذكرنا؛ لأنّ ما يؤمن به وفقًا لتلك الدراسات لن يجد من يقول له من علماء العقيدة والكلام: إنه ناقص أو فيه ناقض من نواقض الإيمان أو ما إلى ذلك؛ لأن كتب العقيدة وعلم الكلام –ذاتها-لم تُبنَ على النظر إلى العقيدة على أنّها “تحديد للعلاقة بين الله والإنسان والكون”. وبناء للرؤية الكليَّة للإنسان، وبناء لمقومات التصور السليم لديه للكون ولذاته الإنسانية والحياة الدنيا والحياة الأخرى والوحي والغيب والمعرفة والعلم والمنهج لتنضبط بذلك حركته في الفكر والعمل. إلى غير ذلك من أمور مناطة بالاعتقاد، ومترتبة عليه.

     ولننظر في علمين أساسيّين من علومنا التي اهتمت إلى حد الاختصاص بقضايا الاعتقاد وهما “علما العقيدة أو التوحيد أو الكلام” وهي الأسماء أو العناوين المتداولة بين المتخصصين في العلم الذي يتناول قضايا العقيدة الإسلاميَّة.

     و”علم الملل والنحل والفرق الإسلاميَّة”، الذي يتناول فيما يتناول “مقالات الإسلاميين” ومعتقدات فرقهم وطوائفهم المختلفة لنجد أن هناك جوانب كثيرة وأبعادًا عديدة قد غابت عن العلم الأول خاصَّة في مجال إبراز العلاقة بين الله _تبارك وتعالى) والإنسان.

     وأمَّا في ميادين العلم الثاني فإننا نجد العديد من المقالات والآراء التي كرستها الفرق الإسلامية المختلفة وتداولتها من “الجبر والاختيار والقدر والتشبيه والتعطيل والتنزيه والتجسيم” وما إلى ذلك من مقالات لا سند لها من محكم الكتاب، ولا من صحيح السنن.

     ومجمل تلك الأطروحات توجد تصورًا غريبًا عن النور القرآني لله (تعالى) فهي تصوره قاهرًا متجبرًا يستلب الإنسان والكون بقهره وجبروته، والخلق –كلّه-مجبور مقهور مستلب له. وقد يعقل الإنسان شيئًا من ذلك وقد لا يعقله، فليس بمهم أ ن يعقل أو لا يعقل بل إن العقل نفسه لا ضرورة له تتجاوز مهمة تلقي النص والاستسلام له، ثم تستخير الجوارح لذلك. ومما لا شك فيه أن هناك ما يشبه الإجماع بين علماء الكلام بأن العقل ضروريّ لفتح أبواب القلوب أما الإيمان ولكن ذهب عامتهم إلى أنَّه بعد أ ن يدخل الإيمان القلوب، وتخالط بشاشته الأفئدة يصبح النص –وحده-هو الموجة لحركة الإنسان. المهم أنَّه ليس لهذا الإنسان أن يسأل أو يتساءل، فهو بمثابة ريشة في مهب الريح. فهو سبحانه “رب الجنود” القاهر المتجبّر، فقد يلقيه في النار بعد أن يكون قضى حياته –كلّها-في طاعته. وقد يدخله الجنّة بعد أن يكون قضى حياته –كلّها-في طاعته. وقد يدخله الجنَّة بعد أن أنفق حياته في المعاصي لمجرد انَّه قال او عمل عملًا بسيطًا صادف رضى الله (تعالى) عن ذلك علوًا كبيرًا.

     والإنسان الذي تقدمه هذه العلوم إلينا ما هو إلا عبد مستلب، والكون ما هو إلا خلق وكمجموعة مخلوقات لا يملك أي منهما لنفسه أو لغيره ضرًا ولا نفعًا. وهذا التصور لا يلغي قيمة الفعل الإنساني فقط، بل يلغي قيمة الإنسان –نفسه-ويدفعه نحو نوع من السلبيَّة والعدميَّة. ويجعل مبدأ “الحرية الإنسانية” في أزمة غاية في الخطورة، ولا يغيَّر من هذه الحقيقة شيئًا رفع الأصوات بأن الإسلام دين الحريَّة، وأنَّه قد احترم سائر الحريّات ونادى بها.   

      باختصار شديد: حين نقوم بتحليل ولو متعجل لمنهج “علم العقيدة أو التوحيد أو الكلام” في تعريفنا بخالقنا (سبحانه) نجد أن التصور القرآني الواضح المنير المشرق قد تمت عمليَّات تغييبه وتهميشه في بيان العلاقة بين الله والإنسان والكون.

     إنَّ التصور الذي بناه القرآن لهذه العلاقة فإنَّه يتلخص بما يلي:

1-العلاقة بين الله (عز وجلَّ) علاقة بين إنسان عبد له كرَّمه، وعاهده وأخذ عليه موثقًا واستخلفه وائتمنه وكلَّفه وابتلاه ومنحه أمانة الاختيار وحرية التصرف في العقيدة والسلوك وسائر أنواع التصرف. واصطفى له من نفسه رسلا يساعدونه على معرفة العقيدة والدين الحق الإسلام والسلوك الأفضل لكي تصادر وتواجه عمليّات التسديد والتزكية التي يقوم بها أصحاب محاولات الإغواء والإضلال والتدسيَّة التي يصوغه أو يقوم بها أعداؤه من إبليس وجنوده ومن استلبوه من شياطين الإنس والجن.

     ويخبرنا (جلّ شأنَّه) أنه حين يكون قانتًا لله، حنيفًا، وفيَّا لما خلقه الله له، ويبغض عمله المنحرف وفعله السيء، ولا يرضاه له، تائبًا عندما يقع منه تقصير، متطهرًا على الدوام، قائمًا لله (تعالى) بكل ما أوكل إليه   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *