Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الاحتقان الطائفي في منطقة الخليج والوطن العربي حلول ومعالجات

 

أ.د/ طه جابر العلواني

منذ أن أسس رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- المجتمع المدني بقيادته الشريفة المعصومة والمجتمع الإسلامي يعيش التعددية أساسا ومنطلقا باعتبارها الأمر الطبيعي، وينظر إلى التقليل من شأن الآخر أو تحقيره فضلا عن نفيه وقتله نظرة رفض ومنع. ولذلك فقد تربى المسلمون على التعددية وقبول الآخر والتعاون معه والتحالف، ليصبح ثقافة وتقاليد وأسلوب حياة. وقد فعل رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- والقرآن يقود خطاه في كل خطوة أو موقف من تلك المواقف. ويتتبع دخائل النفوس وخلجات القلوب ونبضات المشاعر وهو يرسي تلك الدعامة. فالقرآن المجيد يقود خطى رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ويسددها في تدعيم ذلك وترسيخه، لأنه خطاب عالمي يستوعب ويتجاوز.

ويستدرك القرآن أحيانا بعض ما يقوله أو يفعله في هذا الصدد، والناظر في آيات الكتاب الحكيم المتدبر فيها يرى من ذلك ما لا ينقضي العجب والانبهار منه على رصده بتلك الدقة اللامتناهية في رصيد المشاعر والعواطف ومنهجه في حسن توجيهها: ﴿ هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (آل عمران:119) وفي الآية التي تسبقها: ﴿.. قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (آل عمران:118).

وقد تكشف بعض الآيات عن نوايا عدوانية واستعدادات قتالية جدّية، لكن ذلك في الغالب ينتهي بقوله (جلّ شأنه): ﴿.. فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة:109).

ومعروف موقف القرآن المجيد من اعتداءات قريش على رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه وآل بيته وأمره لرسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ومن معه بقوله (جل شأنه): ﴿.. كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ..﴾ (النساء:77)، وكان المسلمون دائما يؤمرون في مثل هذه الأزمات بالاستعانة بالصبر والصلاة. لماذا؟ لأن الصبر والصلاة يذكران بالوحدة البشرية، وأن الرب واحد والأب واحد وأن الله هو الذي ﴿.. خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (النساء:1)  فما من آدمي على ظهر الأرض إلا وهو أخ لكل آدمي آخر أخا شقيقا يجتمع مع أخيه الإنسان بالأب والأم ووحدة الأصل والمصير والغاية، إضافة إلى وحدة المهمة، مهمة الاستخلاف وطريق الابتلاء ووضع الأمانة والوفاء بالعهد الإلهي.

ذلك كله عمل رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- على تعليمه البشرية وربّى أصحابه عليه، لذلك فإن أولئك الأصحاب العظام وآل البيت الكرام، رويت عنهم أجمل الآثار وأحسنها في قبول التعدد في كل شيء، فهذا خليفة رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- يختلف مع بقية أصحابه في إنفاذ جيش أسامة وفي محاربة المتمردين الذين رفضوا دفع الزكاة ويطيل الحوار معهم دون أن يضيق أي منهما بالآخر ذرعا، ثم ينهض بمسؤولياته وينفذ جيش أسامة مع حاجته الماسة إليه ويحارب مدّعي النبوة والمتمردين على الأمة بإنكار فريضة الزكاة وحرمان فقراء الأمة منها.

ثم يأتي الخليفة الثاني، وحين يرى يهوديا من يهود المدينة يتسول، يؤلمه الأمر، فيسأله عما يحمله على السؤال، فيقول له: “السن والجزية”. فينادي المسئول المالي في إدارته ويقول له: “أنظر هذا وأمثاله فضع عنهم الجزية واجعل لهم من بيت المال نصيبا يكفيهم مؤنة السؤال، فما أنصفناه إن أكلنا شبيبته وتركناه في شيخوخته”.

وحين يشتكي إليه نصراني أن ابن أمير مصر وفاتحها عمرو بن العاص قد خفقه بالدِرّة بعد أن سبقه في سباق خيل أو نحوه. وقال خذها وأنا ابن الأكرمين وسائل عمر: “أين عدلكم؟ أين إنصافكم؟” فأعطى عمر الدِرة للقبطي وطلب منه أن يضرب ابن عمرو حتى يشفي غليله. وبعد أن فعل القبطي ذلك كشف له عمر عن صلعة عمرو ابن العاص نفسه وقال له: “اضرب صلعة أبيه، فلولا جاه أبيه ما ضربك” فقال القبطي: “يا أمير المؤمنين قد اخذت ثأري ممن ظلمني وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله”. لأن هذا النوع وهذا المستوى من العدل لم يكن يوجد على وجه الأرض إلا في إطار هذا المجتمع المؤمن.

ويجلس عثمان يستشير أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- في امرأة اجهضت بعد أن أرسل إليها للقائه فأجهضت من الخوف فقال له الأصحاب: “إنما أنت مؤدب، ولا نرى عليك شيئا” وهنا يحظر الإمام عليّ –كرم الله وجهه- فيقول: “هؤلاء إن قاربوك فقد غشوّك، وإن اجتهدوا فقد أخطأوا، أرى عليك الدية أو الغِرّة، فقال له عثمان:”صدقت ولقد ترك جيل التلقي فقها ثريا واسعا متنوعا فيه من الاختلاف في الرأي الشيء الكثير. لكنه لم يفسد مودتهم ولا أخوتهم ولا محبة بعضهم لبعض؛ لأنه ما منهم من أحد إلا ويرى الاختلاف أمر طبيعي وشأنا مقبولا.

 وقد جاء رجل إلى عمر ابن الخطاب يسأله عن حكم أو فتوى، فأحاله على صحابيين من قرّاء الصحابة كانا يجلسان في جانب المسجد وقال له: “اذهب فاستفتهما وحين يخبرانك تعال واخبرني. وقد فعل الرجل ولما عاد إلى عمر وأخبرهما بفتواهما قال عمر: “لكنني لو أفتيتك لأفتيتك بكذا، أي فتوى مغايرة لفتوى الصحابيين”، قال: “وما يمنعك يا أمير المؤمنين والأمر إليك؟”، قال: “لو كنت أردهما إلى كتاب أو سنة لفعلت لكنه رأي والرأي مشترك.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *