Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

تكريت بين نحرين

أ.د/ طه جابر العلواني

منذ أيام، ربما تجاوزت الأسبوعين والقوات العراقيَّة وطائرات التحالف ومجموعات الحشد الشعبي (جحش) تدك مدينة تكريت بمختلف الأسلحة، وتحاول أن تصور أنَّ المدينة كانت عصيَّة جدًا عليها؛ وذلك تمهيدًا لتدميرها بتلك الحجة وذلك العذر، وأنَّ داعش قد بنت لنفسها استحكامات جعلت كل تلك القوات عاجزة عن إخراج الداعشيين منها.

 وتحقق لهم ما أرادوا، ودخل حيدر العبادي -عضو حزب الدعوة الشيعي ورئيس الوزراء والذي يحمل لقب القائد العام للقوات المسلحة- أطراف مدينة تكريت فاتحًا، وأعلن تطهير المدينة، ومباشرةً وبعد وعود كثيرة وتعهدات لأوباما، ولمجلس الأمن، وللمجتمع الدولي كله بأنَّهم لن يسمحوا بتكرار ما حدث في مدن أخرى، من قتل الآمنين من الأهالي والمواطنين العزل والأطفال والنساء، وتدمير بيوتهم، وإحراقها عليهم، وفي مناورات مكشوفة ادَّعى قائد قوات جحش جيش الحشد الشعبي أنَّه لن يدخل هذه المدينة مع الداخلين إلا إذا تعهدت قوات التحالف بأن لا تشترك في عمليَّة التحرير، ومع اشتراك قوات التحالف وقصفها لمختلف المواقع في أطراف المدينة وفي قلبها إلا أنَّ جحش وقيادتها بمجرد أن اطمئنوا إلى أنَّهم سيدخلون المدينة دون مقاومة -إذ انتهت المقاومة، ولن يجدوا في المدينة سوى العوائل التي عجزت عن مغادرتها والبحث عن مكان آمن خارجها- دخلت جحش وقيادتها إلى المدينة، وأعملت فيها القتل وحرق البيوت على سكانها، وتدمير كل ما أمكن تدميره، ونهب كل ما أمكن نهبه.

 لأنَّ عقل قوات جحش قد امتلأ بأنَّ هذه المدينة هي مدينة صدام حسين، والأمور الرمزيَّة مثل هذه في عقليَّة هؤلاء الغوغاء ومن وراءهم ومن دربهم ومن دعاهم إلى النفير وأوهمهم بأن قتل مواطنيهم جهاد ومن أطلق أيديهم، لابد أن تمتهن وتنتهك وتداس، ونسيّ هؤلاء وتناسوا وربما نسيّ قاسم سليماني -الذي يحمل لقب قائد فيلق القدس الإيراني- أنَّ مدينة تكريت بل المحافظة كلها إنَّما تنسب لصلاح الدين الأيوبي (567-589ﻫ/ 1174-1193م) محرر القدس من الصليبيين الذي حرر القدس سنة (583ﻫ/1187م)، القائد العظيم الكردي الأصل، الشافعي المذهب، فإذا كانت للمدينة والمحافظة رمزيَّة فرمزها صلاح الدين وليس صدام حسين، صدام واحد من أبناء الحويجة وينتمي إلى قبيلة من القبائل التي تشكل السكان المحيطين بهذه المدينة التي كان يفترض بقائد فيلق القدس وبقائد قوات جحش ومن إليهم أن يحترموا رمزيَّتها، ونسبة صلاح الدين الأيوبي إليها، وحمايتها من الدمار، ولكن أنَّى لهؤلاء أن يعرفوا تاريخ هذه البلاد المنكوبة وجغرافيَّتها ومن أنجبته من قادة ورجال، وفي مقدمتهم محرر القدس القائد المسلم صلاح الدين، الذي حرر القدس فعلًا ولم يجعل من القدس وتحرير القدس مجرد شعار.

كنت أتمنى أن أسمع شيئًا من الحكومة القائمة التي أعطت الوعود والعهود للدنيا كلها، وأصدرت الوصايا العلنيَّة الكاذبة لقواتها المسلحة وشرطتها والمفروض أن تكون قيادة جحش تابعة لها كذلك، ومع ذلك فقد دمرت تكريت وأحرقت ونهبت وانتهكت فيها الحرمات، إن العبّادي مثل غيره يظن أن السياسة هي أن تجيد الكذب على الناس فأخذ يتحدث عن أن جحشًا جيش الحشد الشعبي ليست ميليشيات غير منضبطة لأنها قد أصبحت بجرة قلم منه جزءًا من القوات المسلحة العراقيّة لأن سيادته هو القائد العام للقوات المسلحة في بلدنا المنكوب – يا سبحان الله -.  وهل قواتك المسلحة يا سيد حيدر معصومة من الاعتداء؟ وقد جمعتموها جمعًا من ميلشيات مختلفة جئتم بها لفيفًا؛ لتكون تعبيرا عنكم فقط وأداة بأيديكم تحركونها مثل الدمى، إنّ ما صدر عن رئيس الوزراء وحواشيه بما في ذلك بعض من ينتسبون إلى طوائف أخرى عار وكذب لن يمحى، وهؤلاء الذين قلتم عنهم: مدسوسين أنتم أعرف الناس بأنهم رغم تعريفكم الأرسطي للميليشية فإنهم أقل من ذلك شأنا إنهم عصابات من الحرامية والسراق والمجرمين الذين جعلوا الناس في تكريت وغيرها يعيشون بين نارين وبين نحرين نحر الدواعش ونحر الجحوش، إنني أشكر السيد مقتدى الصدر فلو نزل عذاب الآن على هؤلاء الذين دعوا إلى النفير واستنفروا هؤلاء الحرامية من كل صوب وحدب لما نجا منه غير مقتدى الذي حذر منه من البداية مع سائر الأصوات التي تتشيع لآل البيت تشيعًا علويًا لا صفويًا، فالسيد مقتدى قد أنكر المنكر وحذر من هذه الجماعات الوقحة على حد تعبيره

 فمعذرة يا صلاح الدين، نعتذر إليك ونبرأ من هؤلاء الذين لم يحترموا تاريخك لأنَّهم لا يعرفونه، ولا مناقبك ولا آثارك، ولا أياديك البيضاء على الإسلام والمسلمين، وإنَّا لله وإنا إليه راجعون.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *