فضيلتكم هل يصح أن يقال أن حد السرقة الوارد في القرآن ليس بمعنى البتر وإنما بمعنى الكف، وعليه فلا تقطع يد السارق بالمعنى المتعارف عليه (البتر) بل تكف يد السارق عن المجتمع إما بالسجن أو غيره ؟ لقد وجدت بعض الشباب يؤمنون بهذه المسألة وأحببت معرفة رأيكم؟
الجواب:
إن كلمة القطع قد وردت في القرآن المجيد بمعان مختلفة في سياقات متعددة، القطع: فصل الشيء مدركا بالبصر كالأجسام، أو مدركا بالبصيرة كالأشياء المعقولة، فمن ذلك قطع الأعضاء نحو قوله: ﴿… لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ…﴾ (الأعراف:125)، وقوله: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا …﴾ (المائدة:38) وقوله: ﴿.. وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ ..(محمد:15) وقطع الثوب، وذلك قوله (تعالى): ﴿ .. فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ ..﴾ (الحج:19) وقطع الطريق يقال على وجهين: أحدهما: يراد به السير والسلوك، والثاني: يراد به الغصب من المارة والسالكين للطريق نحو قوله:﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ..﴾ (العنكبوت/29) وذلك إشارة إلى قوله: ﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ..﴾ (الأعراف/45)، وقوله: ﴿.. فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ..﴾ (النمل:24) وإنما سمي ذلك قطع الطريق؛ لأنه يؤدي إلى انقطاع الناس عن الطريق، فجعل ذلك قطعا للطريق، وقطع الماء بالسباحة: عبوره، وقطع الوصل: هو الهجران، وقطع الرحم يكون بالهجران، ومنع البر. قال تعالى: ﴿.. وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ (محمد:22) ، وقال: ﴿.. وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ .. ﴾ (البقرة:27)، ﴿..ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ..﴾ (الحج:15) وقد قيل: ليقطع حبله حتى يقطع، وقد قيل: ليقطع أجله بالاختناق، وهو معنى قول ابن عباس: ثم ليختنق (أخرج الحاكم وصححه وغيره عن ابن عباس قال: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب قال: فليربط حبلا إلى السماء إلى سماء بيته السقف، ثم ليقطع قال: ثم يختنق به حتى يموت.
انظر: الدر المنثور 6/15، والمستدرك)، وقطع الأمر: فصله، ومنه قوله: ﴿.. مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا ..﴾ (النمل/32)، وقوله: ﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفًا ..﴾ (آل عمران/127) أي: يهلك جماعة منهم. وقطع دابر الإنسان: هو إفناء نوعه. قال: ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ..﴾ (الأنعام:45)، و ﴿.. أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ﴾ (الحجر:66) ، وقوله:﴿ .. إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ .. ﴾ (التوبة:110) أي: إلا أن يموتوا، وقيل: إلا أن يتوبوا توبة بها تنقطع قلوبهم ندما على تفريطهم، وقطع من الليل: قطعة منه. قال (تعالى): ﴿ .. فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ ..﴾( هود: ) والقطيع من الغنم جمعه قطعان، وذلك كالصرمة والفرقة، وغير ذلك من أسماء الجماعة المشتقة من معنى القطع[1] ، والقطيع: السوط، وأصاب بئرهم قطع أي: انقطع ماؤها، ومقاطع الأودية: مآخيرها.
فأنت ترى تنوع الاستعمال القرآني لمادة الكلمة، في معان مختلفة، وهذا النوع من المفاهيم يتحدد ببيان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فإذا ثبت قطعا بيان لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لهذا المفهوم بأن أبان يد السارق فقطعها وفصلها عن جسمه فذلك يعني أن معنى فاقطعوا هو الفصل والإبانة، وإذا لم يثبت ذلك وثبت استعماله بمعنى آخر وهو كف يد السارق بإغنائه فهذا ينسجم ودرء الحدود بالشبهات، فإن عمر -رضي الله عنه- حين عرض عليه الذين سرقوا ناقة وذبحوها وأكلوها من الغلمان لم يقطع أيديهم، لشبهة أنهم جياع واضطروا إلى السرقة ليأكلوا، وهدد سيدهم الذي يعملون عنده بأن يطعمهم ويسقيهم ويسد احتياجاتهم وأنهم لو سرقوا مرة أخرى فسيقطع يده بدلا من أيديهم، والله أعلم.
[1] انظر: جواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر ص 359