Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

السحر

س/  يقول ربنا (تبارك وتعالى) في سورة البقرة ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة:101-102)

ويذكر القرآن أيضا أن موسى -عليه السلام- خاف من صنيع السحرة وخُيل إليه مَن سحرَهم أن الحبال والعصي تسعى. فكيف نفهم ونتعامل مع كل هذه الآيات التي يستدل بها الكثيرون للتدليل على وجود السحر من جهة وفاعليته في حياة الناس من جهة أخرى هذا بغض النظر عما نسب للنبي من أنه تعرض للمرض بسبب السحر أيضا وسامحني إن أثقلت عليك بأسئلتي.  

الجواب:

بسم الله ارحمن الرحيم

   اختص الله (سبحانه وتعالى) كل زمن من الأزمان بظواهر يتكرر بعضها ولا يتكرر للآخر، فنجد في زمن بعض الفراعنة، وحكام بابل ظاهرة السحر، وكان ملوك وحكام تلك الفترة يتفاخرون بمن لديهم من السحرة وقدراتهم، وكان السحرة والكُهَّان يمثلون في بعض تلك الأزمنة أهم مستشاري الملوك والحكام. والله (عزَّ وجلَّ) حين يرسل الرسل قبل محمد  (صلى الله عليه وآله وسلم) يزودهم بما يتحدون به أهل عصورهم، ويثبتون لهم عجزهم عن الإتيان بمثل ما جاء الرسل به؛ لذلك زود الله موسى (عليه السلام) بتسع آيات بيّنات لمواجهة السحر والسحرة، وبيان تفوق النبوة بقدرات خارقة حقيقية ولا مدّعاة. وكان من بينها العصى التي تلقف ما يأفكون، ولذلك تحداهم موسى بقوله تعالى ﴿فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ (يونس:82)، واليد يضعها تحت جناحه تخرج بيضاء من غير سوء ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾﴿طه:22-23﴾ فالمعجزة تشبه السحر من حيث المظهر، وتختلف من حيث كونها حقيقة واقعة.

    ولا يمكن للسحرة بلوغ غايتها، أو تحديها، أوالإتيان بمثلها؛ ولذلك فقد انتصر موسى عليهم، وأُحرجوا أمام فرعون وكانوا أول المؤمنين، وعن قصتهم مع سيدنا موسى يقول سبحانه وتعالى ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ﴾ ﴿الأعراف120:103 ﴾، ودُهش فرعون لأنه لم يدرك الفرق بين المعجزة والآية والفعل الإنساني المعتاد.

   وفي عصر سيدنا عيسى-عليه السلام- كان هناك ظاهرة الطب والشفاء من الأمراض المستعصية، ولذلك زود الله  (سبحانه وتعالى) سيدنا عيسى-عليه السلام-  بالآيات الخارقة التي تجاوزت سائر ما هو معروف في الطب من شفاءات، فجاءت معجزته بما يعجز الطب عن شفائه في ذلك الوقت، مثل إحياء الموتى، وشفاء البرص، وشفاء الخرص.

وكل ذلك يكون بإذن الله (عزَّ وجلَّ)، وتنزل الآية منزلة قوله: إن هذه الآية مني، وأُسخرها لرسولي وعبدي هذا؛ لتعرفوا أنه لا يأتِ بكل هذه المعجزات من نفسه، ولتؤمنوا به وتصدقوه.

وفي عهد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان العرب يتفاخرون بالبلاغة والفصاحة، ويُلقبون أفضل شعراء القبيلة ب ‹‹شاعر القبيلة››، وهو لقب يتنافس الشعراء لبلوغه، فجاء معجزته القرآن الكريم؛ ولذلك فإنه حين طالبه قومه بمعجزات مثل موسى وعيسى (عليهما السلام)، وقالوا ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا * وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً * قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ ﴿الإسراء96:89﴾، ويقول سبحانه وتعالى﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ﴿العنكبوت52:50 ﴾، ويقول (عزَّ وجلَّ)﴿وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا﴾ ﴿الإسراء:59﴾ لكن القرآن المجيد تحدى الله به الخلق كافة على أن يأتوا بسورة من مثله، أو آية منه، فقال ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ ﴿الإسراء:88﴾.

    فالسحر كان في الحضارة الفرعونية و الحضارة البابلية، وزود الله (عزَّ وجلَّ) أنبياء تلك الفترة بخوارق حسيّة تماثل السحر من حيث المظهر، وتتفوق عليه من حيث الجوهر والمخبر، والله (عزَّ وجلَّ) ذم بنو اسرائيل في كونهم خلطوا بين أمرين أمر السحر الباطل الذي يمثل تلك الظاهرة، وبين المعجزات التي أوتيها سليمان (عليه السلام) الذي سخر الله (عزَّ وجلَّ) له الجن والعفاريت، فشيد ملك سليمان بهؤلاء الجن والعفاريت؛ فصار صاحب ملك لا يؤتى لأحد من قبله ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ ﴿ص38:35 ﴾ فنعى على بني اسرائيل ذلك الخلط؛ وتشاغلوا بمحاولة اتقان السحر عن ما جائهم من الحق في كتاب الله فلم يتبعوا الكتب التي أنزلت على الأنبياء السابقين من زبور وألواح وتوراة وأنجيل وغيرها من الكتب. ولمــَّا جاءهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن الكريم لم يؤمنوا به كذلك وكذبوه ﴿وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة103:102) ، وبينت الآية الكريمة أن السحر اتباع للشياطين، وأن السحر كان من عمل الشيطان كان يستعملها سليمان بإذن الله (سبحانه وتعالى)، ومع ذلك فإنهم تخلوا عن تراث النبيين كافّة، وانصرفوا إلى السحر،  وما كفر سليمان لكن الشياطين هم الذين مارسوا السحر، واستخدموه لمواجهة أنبياء الله (عزَّ وجلَّ) ورسله. ويقول الله بعد هذه الآيات في الآية (106)  ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿البقرة:106﴾، فإذا نسخ الله آية السحر ونسخ آيات إحياء الموتى، وكل المعجزات النبوية السابقة، -إلا معجزة القرآن المجيد التي ستظل باقية أبد الدهر- فذلك نسخ لظاهرة ترتبط بزمان، ومكان.

   والجزيرة العربية متاخمة لمصر الفرعونية وبابل، فلا غرابة أن تكون حكايات السحر والسحرة شائعة في الخيال العربي، وأن تكون جاهلية العرب حائزة لكثير من الثقافة السحرية التي وصلتها من وادي النيل ووادي الرافدين، وكان الجاهليون يؤمنون بالسحر وقدرات الشياطين على التأثير في الإنسان، وجاء القرآن الكريم فأبطل ذلك. ولكنّ ذلك انتقل من جيل إلى جيل، فتوارثه الأبناء عن الآباء والأجداد.  

   ومع دخول الناس الإسلام وسيادته بقيت تلك الثقافة الشعرية والأساطير التى تداولت على يد اليهود الذين كانوا يقطنون الجزيرة العربية، وأشاعوا تلك الثقافة، ولذلك فقد اقتنع البعض بالسحر وخطورته، حتى زعم من زعم بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سحره ‹‹لبيد بن الأعصم›› اليهودي، وأنه بتأثير ذلك السحر بقي أسبوعًا يتخيل أمورًا لا وجودلها؛ حتى أنه يخيل إليه أنه يمارس ما يمارسه الزوج مع زوجه، ثم يتضح له الأمر على عكس ذلك، وغيرها من الروايات عن ذلك الأمر. والقصاصين الذين يروون ذلك كان لا يهمهم النقل والرواية الصحيحة عن المحدثين العدول، ويشيعون تلك الروايات، ويتداولونها في غفلة كبرى، وقد غفل هولاء عن عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تختلف عن أسطورة قصة الغرانيق العلى التى ادعى فيها المشركون من قريش أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر آلهتهم بخير كي يذكروا إلهه بخير ولربما آمنوا به؛ فكذبوا على الله ورسوله ففبركوا تلك القصة، ونسوا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوم من الله (عزَّ وجلَّ)، فيقول سبحانه وتعالى﴿.. وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ ﴿المائدة:67﴾، وأننا لو سلّمنا بذلك يعنى ذلك أنه هناك شك في الوحي كلّه إذ أنَّ كلما قرأت سورة من القرآن قد تشك أنه نزلت عليه وهو مسحور والكفار قالوا ﴿..إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا﴾ ﴿الإسراء:47﴾.  

إن السحر خرافة وخيال ولا يعيش في بيئات نقية طهرها الإيمان والتوحيد، ومن المؤسف أنها ما زالت تعيش في مجتمعاتنا ، ويحترفها البعض فيستغلون الضعفاء بها، ويجنون النفوذ والأموال. فلنتق الله ولنتمسك بكتاب ربنا وهدي نبينا المعصوم (صلى الله عليه وآله وسلم).    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *