Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الحج والتوحيد الخالص

أ.د/ طه جابر العلواني

كل العبادات التي نزل القرآن المجيد بها، ونفذها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اتباعًا له؛ آيات من شأنها أن تنقي التوحيد، وتخلصه من الشوائب، وتزيل عنه كل ما يمكن أن يعلق به.

وفي مقدمة تلك العبادات الحج، الذي كان في الجاهليَّة يعد مسرح لإشابة التوحيد بالشرك، وتعظيم الآباء وما كانوا عليه من دين.

واتخاذ شرائع مما تصف ألسنتهم من الكذب، ومن كل ما لا يأذن الله به؛ ولذلك كان أولئك الجاهليُّون لا يستطيع أحدهم أن ينفك عن الشرك، فإذا عبد أشرك الأصنام في عبوديَّته، وإذا شكر الرب (جل شأنه) جعل له شريكًا في ربوبيَّته، وهكذا جاء الحج ليتخذ من البيت العتيق مطاف ومثابة وحرمًا آمنا وقيامًا للناس، على أن يمحص فيه التوحيد، ويخلص من جميع الشوائب، فالبيت بيته، والحرم حرمه، وهو من مكَّن للناس ذلك الحرم الآمن، ويتخطف الناس من حولهم ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (العنكبوت:67). ومع كل ما فيه من مشاهد، وما اشتمل عليه من مواقف، وما حفل به من إشارات، لكنَّه بقي نموذجًا للتوحيد الخالص، ومثابة للناس وأمنًا، فيه مقام إبراهيم ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (البقرة:125).

ويذكرنا القرآن بالكيفيَّة التي رفع بها إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت، لكن ذلك لا يجعل لأي منهما سبيل لأن يشرك في ألوهيَّة أو ربوبيَّة أو حكم. وصلى به النبيون وطافوا ولبوا وحجوا واعتمروا، لا ليقولوا لأي أحد من الناس اتخذنا من دون الله آلهة أو عبادًا نستطيع أن نقربك إليه زلفة، أو نستطيع أن نجعل لك نصيبًا من الملك في الدنيا أو في الآخرة أو أو أو، ولكن ذلك كله محوط لتعلم أن لا إله إلا الله، يذكرون بها على الدوام ﴿اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (البقرة:255).

فالألوهيَّة خاصَّة به سبحانه دون ما سواه من الأمداد والآلهة التي اتخذها الناس واختلقوها إفكًا، سواء كانوا من الملائكة أو من الصالحين أو من سواهم، والعبادة لا تصلح ولا تجوز إلا له سبحانه لتفرده بالربوبيَّة، وتوحده بالألوهيَّة؛ ولأنَّ كل ما دونه ملكه، وأن كل ما سواه خلقه، لا شريك في سلطانه وملكه. فغير جائز لأي من خلقه أن يتوجه بالعبادة أو الاستعانة أو التوسل إلى غيره، وليس له أن يشرك أحدًا معه في سلطانه، فكل معبود سواه جزء من ملكه، وكل ما يعظمه غيره فمخلوق له، فما على العبد إلا أن يسلم له وجهه وزمامه، وينقاد إليه سبحانه انقيادًا تامًا، ويحصر عبادته واستعانته فيه ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة:5)، ويطلب الهداية منه ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (الفاتحة:6)، ويوجه إليه وجهه ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام:79).

 فطوافه ووقوفه في عرفات وبالمشعر الحرام، وتعلقه بأستار الكعبة، وسعيه وحلقه وتقصيره وهديه وأضحيته وصلاته ونسكه، كل ذلك لله (سبحانه وتعالى) خالص له، نقيًّا من أي شرك أو شائبة شرك؛ ولذلك كان الحج بمثابة الإعلان من العبد لخالقه بأنَّه قد استجاب له وحده لا شريك له، إليه وجه وجهه، وله أخلص دينه، وإليه توجه قلبه ووجه ووجدانه وضميره.

فالحج من أول قيام النية، لأدائه، حتى فراغ الحاج منه وعودته لأهله: هو عبارة عن أعمال وأقوال ومواقف متصلة، تعزز في الإنسان عقليَّة التوحيد، ونفسيَّة عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (الفرقان:63-68).

وإذا أراد الحاج أن يعرف في دنياه قبول الله لحجه أو رفضه له فلينظر إلى نفسه بعد تمام الحج وكماله، هل تغيَّر سلوكه؟ وهل استقام على الحق كما أمر؟ وهل أخبت قلبه لله وصفت سريرته وفارق الشر والخبث والنفاق والشقاق طويته؟ فإذا وجد ذلك في نفسه فليعلم أنَّ الله قد قبل حجه، واستجاب دعاءه، وكفر عنه سيئاته، وسوف يعظم له أجره، وإذا لم يجد ذلك فليعزي نفسه، وليعزه غيره في ذهاب ما أنفق وأتلف وما بذل دون عائد أو فائدة، وأنَّه لم يخرج من حجه ذاك إلا بمزيد من الإثم والحرمان، فعليه أن يحدث توبة، ويبحث في الأسباب الحقيقيَّة التي حالت بينه وبين الاستفادة من الحج؛ لذلك فإنَّ الحج هو الفريضة والركن الذي يحتاج إلى إعداد وتهيئة ومعرفة، تجعل الحاج يؤدي حجه بقلب سليم وفؤاد منيب.

فيا أيُّها الراغبون بأداء الفريضة، أنفقوا بعض الساعات في تأمل وتدبر كل ركن من أركانها، وواجب من واجباتها، ونافلة أو أدب من آدابها؛ لعل ذلك يعينكم على نيل القبول، وكسب الرضى -إن شاء الله تعالى. ونسأل الله (سبحانه وتعالى) أن يرزقنا وإياكم الحج المبرور، ويجعلنا وإياكم من أهل الذنب المغفور، ويمن علينا وعليكم بالقبول، ويجعلنا وإياكم ممن يسمعون القول ويتبعون أحسنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *