Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الطائفية أخطر ألغام المنطقة (ج5) التعليم

التعليم

أ.د.طه جابر العلواني

دور التعليم بأنواعه المختلفة في إنعاش الطائفية أو التأسيس لها:

وهو من أخطر الأدوار، فإذا كان المعلم أو المدرس أو الأستاذ طائفيًا فتلك طامة كبرى؛ لأنه سوف يستطيع أن ينقل ميكروبات الطائفية إلى الآلاف من الطلبة الذين يدرسون عليه في مرحلة من مراحل التعليم أو مستوى من مستوياته. وأذكر أنني حضرت مناقشة في الخمسينات لرسالة دكتوراه: أعدها في حينه الدكتور الراحل “عبد الرزاق محي الدين” -يغفر الله لنا وله-  كان عنوانها: “أثر التشيع في أدب الشريف الرضي”، العنوان كان على ما يبدو عنوانًا يُعد شبه عادي في البيئات الجامعية، لكن النتيجة التي خرج بها أن أدب الشريف الرضي -المنظوم والمنثور- قد أثّر في تشيعه؛ بحيث صار قمةً في أدبه شعرًا ونثرًا لأنه شيعي، في حين أن المذهب أو الدين أو القومية حين ما يكرس شاعر أدبه لمدحها أو إعلاء شأنها فهي المدينة له وليس العكس. فلو كان العنوان: تأثير أدب الشريف الرضي في التشيع أو في احترام التشيع أو في انتشاره أو ما إلى ذلك، لكان أكثر حيادية ونزاهة، لكن العنوان الذي اختاره الباحث عنوان متحيز وكأن فيه إعلان بأنه إذا كنت تريد أن تكون بليغًا فصيحًا شاعرًا مفلقًا ونافرًا متفننًا فعليك بالتشيع.

 فإذا كان المدرس منحازًا إلى طائفة أو متعصب لقومية او مذهب أو فرقة أو حزب؛ فإنه سوف يقرأ كل شيء من ذلك المنظور، وبذلك يزرع بذور الطائفية خاصة إذا كان لديه التزام تجاه طائفية سياسية. ومن أهم ما يغذي المشاعر الطائفية ويعمق وجودها في النفس والضمير والعقل والمجتمع إدخالها في الجوانب التعليمية وإبراز محاسن طائفة ونسب المثالب إلى من يعارضها، وأحيانًا تطرح القضايا الطائفية من المتعصبين والغلاة والمتطرفين بشكل يجعل المستمع أو الطالب يفهم أن الحق كله والحقيقة كلها لدى تلك الطائفة التي أعجب بها من خلال أساتذته ومدرسيه وينظر إلى أي طائفة أخرى على أنها تتمسك بالباطل و تتشبث بالخطإ! ويا ويل أمة تصبح طوائفها ومذاهبها يرى كل منها أنه يمتلك الحق كله والحقيقة كلها ولا يبقى بين أيدي الطوائف الأخرى إلا الباطل والانحراف والفساد والخطأ، فإن الطائفية حين تبلغ هذا المستوى فإنها تتحول إلى أخطر وسيلة لنفي الأخرين وغمطهم حقوقهم وإيقاع شتي أنواع الظلم عليهم. وجميع الصراعات الطائفية عبر تاريخنا كانت تتصاعد لتصل هذا المستوى القبيح، مستوى نفي الآخر والعمل على تصفيته ونفيه ورفضه ومحاصرته وما إلى ذلك، والقارئ لتاريخنا يجد فيه كثيرًا من الفترات المظلمة التي اشتد واحتدم فيه الصراع الطائفي ليصل فيه إلى نوع من التقاتل والدخول فيما يسمي بالحروب الأهلية وما إلى ذلك. والتعصب الطائفي التي ترسم معالمه السياسة ويوجه حركته السياسيون لا يمكن أن يقف عند حد أو يتوقف ضرره قبل أن يبلغ بالشعب الذي يبتلى به الحضيض، لقد استطاعت أوروبا أن تهزم الدولة العثمانية بعد أن بلغت أوساط أوروبا وكادت تهيمن على أوروبا كلها، فإذا بالتشيع الصفوي وطائفية الصفويين في إيران تنشب معارك جانبية في ظهر الدولة العثمانية المكشوف مما أدي إلى تراجعها عن فتح أوروبا واستقواء أوروبا عليها إلى أن هزمتها ومزقتها. وفي الأخير، هل ربحت الدولة الصفوية شيئًا من ذلك؟! الجواب: “لا”.

 والصراعات الطائفية لا تأتي بخير أبدًا، بل هي صراعات تؤدي دائمًا إلى خسارة الشعوب وتدمير مقوماتها، ولذلك اختارت إدارة كارتر حين فشلت في حماية السفارة الامريكية المحاصرة في طهران، أقول قررت إدارة كارتر أن تحمي مصالح الولايات المتحدة بإشغال العالم الإسلامي بنفسه، وذلك بأن لا يبقى بلد سني إلا ويدخل إليه التشيع ولا بلد شيعي إلا وتدخل إليه مذاهب سنية، وتجعل ذلك شيئًا يهيئ العالم الإسلامي على الانفجار من داخله إذا حصل منه تهديد للمصالح الغربية. ذلك لأن القائلين بأن الإسلام مرشح أول لصراع الحضارة الغربية كما قال ” هانتج تن” نبهوا إلى أن على الساسة الغربيين أن يعدوا العدة لدرء هذا الخطإ المزعوم المتوهم الذي أفرزته تخيلات قادات الإسلاموفوبيا. وهذا مدخل تفسيري لكثير مما حدث ويحدث هذه الايام من تأجيج الفتن الطائفية وتدعيم لها وتهيئة الأجواء لمستويات مختلفة من الصراع الطائفي. نسأله سبحانه أن يحمينا وأمتنا من هذه الفتن والصراعات وأن يبصر القوات وقادة الرأي ويرريهم الحق حقًّا ويرزقهم اتباعه ويوفقهم لاجتناب الباطل حمايةً للعباد ودرءًا للفساد، والله الموفق.

وإلى اللقاء في الحلقة السادسة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *