Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

حوار د/ طه – هاوزين الكردي

حوار د/ طه – هاوزين الكردي
17/7/2005
1. بداية أنتم تتحدثون في كتاباتكم عن فكرة “أسلمة المعرفة” أو “إسلامية المعرفة” ماذا تقصدون بذلك؟ هل لكم أن تعطونا نبذة عن تاريخ التنظير لأسلمة المعرفة وعن مشروعكم في هذا المجال؟
2. كيف تستطيع أن تجعل الإسلام جوابًا لكل الأسئلة والمشاكل الوجودية والأخلاقية التي يعاني منها الإنسان الحديث؟
3. من الواضح أن منذ أكثر من قرن تجددت الدعوة لفتح باب الاجتهاد والتجديد مثلما نجد لدى السيد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وآخرين، وأنتم كواحد من أبرز المفكرين الداعين للاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي والعلوم الإسلامية منذ أكثر من عشرين عامًا، كيف تنظرون إلى هذه الدعوة؟ هل هناك فرق بين مشروعكم وهذه الدعوة؟
4. مع كل محاولات التغيير والإصلاح التي رأتها العالم الإسلامي منذ القرن الماضي، ثم ولادة الحركات الإسلامية المعاصرة لكن لم تكن هذه المحاولات في صالح التغيير نحو الأحسن أو الإصلاح والتجديد، لماذا لم تحقق هذه المحاولات أهدافها؟
5. العلوم الاجتماعية Social sciences التي من نتاج الحداثة، خلفت أزمات كبيرة في مجال المعرفة، مثل فكرة النسبية Relativism والتاريخانية Historicinism. كيف تنظرون إلى محاولات بعض المفكرين العرب من أمثال محمد أركون ونصر حامد أبو زيد لقراءة الإسلام من منطلق هذه العلوم؟ ويعتقدون بأن بمحاولاتهم هذه سيقومون بنهضة إسلامية جديدة. برأيكم هل هذه المحاولة موضع أمل أم موضع إشكالية وإلى أي مدى؟
6. في حين تتحدثون عن التجديد الإسلامي ماذا تقصدون بذلك؟ ثم ما هي الشروط الموضوعية التي يمكن أن تضمن تحقق محاولة تجديدية جادة؟
7. ما هي نقاط الخلاف بين النمط المعرفي الغربي والنمط المعرفي الإسلامي؟ ثم كيف تستطيع فك الرباط بين التجديد والحداثة ونجعل هذه العملية (التجديد) تتم بعيدًا عن النمط الحدثي الغربي؟
8. أنتم تعتقدون بأن التخلف والأزمات التي أصابت الأمة الإسلامية هي بسبب الابتعاد عن القرآن الكريم وعدم استطاعة تدبره، وعدم الإلمام بمعانيه وإدراك مقاصده، وإبعاده عن العلوم والمعارف. لكن كيف نتمكن من فهمه معرفيًا ومنهجيًّا والعمل به بشكل منهجي؟
9. هناك من يقول بأن “مرض الأمة لا يداوى إلا بجرعة إبستمولوجية، وأن أصعب مهمة تُواجه الأمة الإسلامية هي إيجاد حل لمشكلة التعليم، ذلك أنه لا أمل في نهوض هذه الأمة من ركودها الحضاريّ وربطها بدورة حضارية جديدة ما لم تبدع نظامًا تعليميًا جديدًا. كيف تنظرون إلى هذا الرأي؟ ثم هل هناك خلل في النظام التربوي والتعليمي الإسلامي الحالي ويجب على الأمة تغيرها؟
10. كيف تنظرون إلى المشاريع التي تُطرح من خارج العالم الإسلامي وتحديدًا في الغرب لإصلاح حال هذه الأمة وتغيرها نحو الأحسن؟ مثل مشروع “الشرق الأوسط الكبير” وتغيير مناهج التعليم والتربية الإسلامية وفق تصورهم ونشر الديمقراطية؟
11. أين هي مكانة (التراث) في عملية التجديد وإسلامية المعرفة؟ وهل نحن هنا نتحدث عن إحياء روح هذا التراث أم نتحدث عن العمل على إصلاحه؟
12. في ظل الظروف الراهنة التي يخضع لها العالم الإسلامي وكثير من الحركات الإسلامية وقادتها ومفكريها وعلمائها من ملاحقة ومطاردة وحرمان من العمل العام من خلال المؤسسات والخ. ألا ترى بأن مشروع التجديد وإسلامية المعرفة أصبح مستحيلاً؟
13. كيف تستطيع الأمة أن تتجاوز الأزمات الفكرية والثقافية والصراعات والتناقضات الطائفية والأممية؟ وما هي المسئولية التي تقع على عاتق علماء ومفكري هذه الأمة في هذا المجال لتأسيس “البديل الحضاري الإسلامي العالمي”؟
14. في النهاية كيف نستطيع نشر الوعي المعرفي عند المسلمين عامة، ونتحول بهذا الوعي عند نخبة الأمة إلى عامّتها، حتى نفهمهم ضرورة الاجتهاد والتجديد في سبيل إحياء المشروع الإسلامي البديل؟
ملاحظة:
– يمكنكم إضافة أو حذف أي سؤال لجعل الحوار أقوى وأحسن.
– يمكنكم إرسال الأجوبة إلى بريدي الالكتروني، ليس لي رقم فاكس شخصي.
– يمكنكم إرسال كتبكم وكتب الدكتورة منى إلى هذا العنوان البريدي: العنوان البريدي عن طريق الأستاذ عبد الرحمن غفور: مكتب بريد بغداد ص.ب: 55046 بغداد –جمهورية العراق.
ونريد أن نذكركم بأننا بأمس الحاجة إلى كتبكم وبحوثكم ولكن ليست وافرة حتى الآن في مكتبات كردستان ومكتبات بغداد، وعندما بلغت سلامكم إلى الشيخ علي بابير أمير الجماعة الإسلامية رحب بذلك كثيرًا وقال: “بلِّغ سلامي وتحياتي للأستاذ طه جابر العلواني وقل لفضيلته بأننا نهتم كثيرًا لكتاباته ولكن لا نستطيع الحصول عليها، وللأسف فقط نقرأ عناوينها من هنا وهناك بدون الحصول عليها”.
نتمنى من الله لكم التوفيق وجزاكم الله خيرًا. وإن شاء الله سنبقى على اتصال معكم.؟
والسلام عليكم
هاوزين عمر كريم
السيمانية –كردستان العراق

الجواب الأول عن أسئلة الكرد:
عُرِّفَ الإنسان فلسفيًا بأنّه “حيوان ناطق” وحُمِّل مفهوم “النطق” الذي اشتق منه “نطق” بتعريفين: أولهما أنّه المتكلم القادر على أن ينطق ويُبين ليفصح عمّا في نفسه، فالله –تبارك وتعالى- أودع في الإنسان القدرة على التفكير والقراءة والكتابة والتعلُّم، والمخاطبة، والإفصاح عما في نفسه والتعبير عنه. ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق:1-5). والمعنى الثاني “للنطق” هو التفكير فيكون قولهم: “ناطق” معناه: مفكر، فهو يمتلك قوى تفكير ووعي ويمتلك قدرات على التعبير عما يفكر فيه، أو يخطر على باله، أو يجيش في نفسه.
ومنذ بدء الخليقة أدرك الإنسان الأهميَّة البالغة لهذه القوى المودعة فيه، و”المعرفة” التي تؤدي إليها، وأهميَّة هذه المعرفة، فالمعرفة قوة وسلطة وضرورة وإمكانيَّة، بل هي المؤهِّل الأساس لاستخلاف الإنسان في الأرض وائتمانه عليها، فحين أعلن الله –عز وجل- ملائكته بأنّه سيجعل آدم خليفة في الأرض، أبدى الملائكة شكوكهم في قدرة آدم على القيام بأعباء هذه المهمة الجليلة، وعلَّلوا ذلك بأنّه مهيّأ للانحراف، والإفساد فيها، وسفك الدماء.
فأثبت البارئ –جلت قدرته- لملائكته أهليَّة آدم لمهمة “الاستخلاف” و”الائتمان” على الأرض وما فيها ومن عليها بالعلم، حيث “علّم آدم الأسماء –كلها- ثم عرضهم على الملائكة، فقال –عز وجل: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {31} قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {32} قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ (البقرة:31-33) ومنذ ذلك التاريخ و”المعرفة” تسير في طريقين: طريق التعليم الإلهيّ للإنسان: ﴿عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق:5)، فهناك الاستعدادات الإنسانيّة للمعرفة والعلم والتعلّم، وهناك “التعليم الإلهيّ” بالوحي وبسواه من خبرات وتجارب وتراكم للمعرفة بأنواعها، يقوم الإنسان بالاستفادة به بطرق عديدة بالقراءة والرواية والإخبار، والتجربة والتكرار والحس والمشاهدة، وقراءة الكون وما إلى ذلك من وسائل ومنابع يستطيع باستعمال قوى وعيه أن يبلغ بها مستويات عالية من المعرفة والعلم. وللطريق الإلهيّ للمعرفة سماته وخصائصه، ومناهجه وأهدافه وغاياته وقيمه ونحوها.
وهناك الطريق الثاني للمعرفة وهو الطريق الذي لم يهد الإنسان إليه العليم الخبير، بل سلكه الإنسان باختياره محاولاً بذلك تحقيق ذاته!! والاعتماد على قدراته وقوى وعيه –وحدها- معتمدًا في تحصيلها على جهوده الذاتيَّة ليقول في خاتمة المطاف ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ (القصص:78) وهذا السبيل للمعرفة الذي يسلكه الإنسان بعيدًا عن الهداية الإلهيّة قد يوصله إلى معرفة متنوعة وقد تبلغ كمًا كبير، لكنّها كثيرًا ما تؤدي إلى مشكلات ومآسٍ، بل وتدمير للإنسان في بعض الأحيان، لأنَّها معرفة لم تنطلق من معرفة حقيقيتين هامّتين، هما: معرفة الإنسان لإلهه وربّه وخالقه –عز وجل- ومعرفته بنفسه عبدًا لله، مخلوقًا من مخلوقاته، وُجد على هذه الأرض لأداء مهمة حدّدها الله –تعالى- له، وكلّفه بها، وجعلها غاية خلقه، والمقصد الأساس لإيجاده، والحكمة البالغة في تكليفه وحين تنفصل “المعرفة والعلم” عن هاتين الحقيقتين تفقد صلتها بالقيم، وتفقد الغاية والبوصلة الهادية وقد تتحول إلى شباك يسجن الإنسان في داخلها ثم لا يجد فكاكًا منها.
إنَّ “المعرفة” حين تفقد الصلة بمصدر تكوينه وإنشائها وإيصالها للإنسان كثيرًا ما يستبد الطغاة من كهنة وأباطرة بها، ويدعون احتكارها، ولا يُطلعون الناس على شيء منها إلا بقدر ما يخضعونهم به لرغباتهم وأهدافهم وبقدر ما يمكنهم من استعباد الناس بها، واستبدادهم بمقدراتهم، واجتيالهم عن سبل الهداية والرشاد.
وتظهر بشاعة إجرام هؤلاء الطغاة بعد أن يستلبوا المعرفة ويهيمنوا عليها، ويُخضعوا الناس بها ثم يستبدون بهم وبسائر شئونهم فيجعلون منهم مجرد أتباع يدورون في فلكهم، ينفون أيّ مصدر للمعرفة غيرهم؛ فإذا جاء الرسل والأنبياء بما يكشف زيفهم وتحريفهم وطغيانهم، وذلك يرد المعرفة إلى مصدرها الإلهي، وعلّموهم كيف يستحضرون بعد الغيب مع الإنسان والكون، لربط المعرفة بالقيم، قاتلوهم وقتلوهم وصدّوا الناس عن سبيل الله ووقفوا حائلاً بين المستضعفين وبين الوصول إلى المعرفة من مصادرها النقيّة، وينابيعها الثرة؛ لأنّهم يدركون أن تلك المعرفة التي جاء بها الرسل تنبع من كتابين وتعتمد على مصدرين لا يكذّب أي منهما ولا يدع أيّ منهما مجالاً للمخرّفين، وتعالم الجاهلين، وتحريفات الغاليين، وانتحالات المبطلين، وبذلك تصبح المعرفة وسيلة إعمار، لا وسيلة دمار، وسبيل تزكية للنفوس لا سبيل تدسية وإهلاك لها، لا يمكن احتكارها وحجبها عن البعض وإتاحتها للبعض الآخر وفق الهوى والرغبة الرغبة في الاستغلال، تلك كانت مهمة الأنبياء كافَّة، وذلك مضمون ما اشتملت عليه الكتب والصحف المنزلة عليهم.
لقد زعمت الأساطير اليونانيَّة القائمة على الإيمان بتعدد الآلهة أنّ “المعرفة” كانت من نصيب كبير الآلهة وأنه احتفظ بها لنفسه واستأثر فيها لئلّا يفقد بفقدانها سلطانه على بقية الآلهة والأتباع، وأن “هوميروس” أحد صغار الآلهة لاحظ ذلك فقرّر سرقة المعرفة وإتاحتها لبقيّة الآلهة وللناس فغضب عليه كبير الآلهة وعذبه عذابًا شديدًا.
ولم يختلف فعل بعض من تلقوا رسالة سماويّة وآمنوا بادي الأمر بإله واحد عن تصرّف أولئك الوثنيّين في شأن المعرفة، فالقرآن المجيد يقص علينا موقف بني إسرائيل في هذا الشأن شأن المعرفة حين أمروا بتعليم الشعوب الأميّة التي لم يأتها رسلٌ منها، وإشراكهم في معرفة ما أوحى إليهم فكان ردهم: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (آل عمران:57) وحين حاول البعض منهم القيام بهذا الواجب كان رد الأكثريّة والغالبية العظمى منهم ﴿أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ (البقرة:76)؛ لأن الفريقين فريق المشركين وفريق المؤمنين ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (الأنعام:82) جزءًا من جند “المشروع الإبليسيّ الشيطانيّ” أمّا “المشروع الرحمانيّ”فقد استهدف منذ البداية “إشاعة المعرفة” ونشرها وجعلها متاحة ميسَّرة للجميع سواء منها ما تعلق بعالم الغيب وبعالم الشهادة للحيلولة بين إبليس وجنده من شياطين الإنس والجن واحتكار المعرفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *