Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

أهميَّة سورة الفاتحة

أ.د/ طه جابر العلواني

الحمد لله رب العالمين، نستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئآت أعمالنا، ونصلي ونسلم على رسول الله ومن اتبعه واهتدى بهديه إلى يوم لقاه.

ثم أمَّا بعد:

أهميَّة سورة الفاتحة:

إنَّه ما من سورة من سور القرآن المجيد حظيت بالإهتمام الذي حظيت به سورة الفاتحة من بين جميع سور القرآن الكريم،  فأفردها كثير من العلماء بالتأليف فى تفسيرها وبيان أهميتها وفضائلها وما إلى ذلك ممّا يتعلّق بها.

ولاشك أنَّها سورة جليلة القدر عظيمة الخطر. ولقد جعلها الله (سبحانه) مقدمة موجزة معجزة لكتابه الكريم. بحيث لو اجتمع الملايين من أهل العلم لاختيار مقدمة لكتاب الله أنسب وأخطر وأكثر قدرة على استيعاب مقاصد القرآن وأهدافه ومراميه لما استطاعوا أن يختاروا غير هذه السورة أو يتجهوا إلى سواها، فهذه الآيات السبع التى اشتملت على خمس وعشرين كلمة فقط قد نبهت إلى مقاصد القرآن كله ومغازيه وأهدافه على تنوعها،  فما من مقصد ولا هدف استهدفه القرآن، ولا معنى خطير اهتم القرآن به لا تجد إليه إشارة في هذه السورة.

وعلى مستوى السلوك والأخلاق الإنسانيَّة نستطيع أن نقول بأنَّ: صفات أصناف البشر كافَّة والتحديات التي ستواجههم من يوم أن أهبط آدم وزوجه وإبليس إلى الأرض إلى يوم الدين قد اشتملت هذه السورة الكريمة على التنبيه إليها والإشارة لها مناهج وتفاصيل، ونستطيع القول دون مبالغة: إنَّه لو لم ينزل الله من القرآن على البشر إلا هذه السورة لكفتهم فهى الكافية الشافية الوافية.

ولو أنَّ إمرءً لم يستطع أن يتعلم غير الشهادتين والفرائض والأركان الأساسيَّة وسورة الفاتحة لكفته وأصلحت له شأنه إذا اهتدى بها، وتلاها حق تلاوتها، ولمكنته أن يكون بها من المتقين، وأن يبتعد بها عن سبل المغضوب عليهم والضالين بكل أنواعهم.

ولو أنَّ المسلمين –اليوم- يحسنون تدبُّر القرآن ويتقنون تلاوته حق التلاوة، فتدبَّروا السبع المثاني، وتلوا سورة الفاتحة حق تلاوتها، وتدبّروها حق تدبّرها، ورتّلوها ترتيلًا؛ لأمكن أن ينشئوا الأمَّة الخيِّرة، والمجتمع الوسطيّ، والشخصيَّة المسلمة ذات السلوك القويم والعقل السليم والاستقامة والتقوى. ولعل ما فى هذه السورة من تلك المعانى جعلها بحق عنوان القرآن وفاتحته ومدخله ومقدمته.

 وإذا كان الله (تبارك وتعالى) قد أمرنا بتلاوة ما تيسر منه، فإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد بيّن لنا أنَّه لن يوجد أيسر من سورة الفاتحة ولا أشمل ولا أدق؛ ولذلك كانت سورة الصلاة، فنحن نصلي بها فرائضنا: عن عبادة بن الصامت قال: صلَّى بنا رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم) صلاةَ الصُّبحِ فثقُلَتْ عليه القراءةُ فلمَّا انصرَف قال: (إنِّي لَأراكم تقرَؤونَ وراءَ إمامِكم) قال: قُلْنا: أجَلْ يا رسولَ اللهِ هذا قال: (فلا تفعَلوا إلَّا بأمِّ الكتابِ فإنَّه لا صلاةَ لِمَن لَمْ يقرَأْ بها)”[1].

إنَّ المسلم يصلي فى اليوم والليلة من الفرائض سبع عشرة ركعة، فإذا أضاف إليها سبع عشرة ركعة أخرى من النوافل فذلك يعنى أنَّه سيقرأ سورة الفاتحة فى اليوم والليلة أربعة وثلاثين مرة، فإذا تلاها حق تلاوتها وعمل على أن يتفهم معانيها ويجعل منها موجّهًا له فى بناء نفسيّته وعقليَّته ومنهجًا قويمًا لتقويم ولتكوين شخصيّته، فلا شك أنَّ إنسانًا كهذا سيكون من بين الذين أنعم الله عليهم، ويتمتع بسائر المواصفات التى تجعل منه عضوًا صالحًا فى هذه الأمَّة وكيانها الإجتماعيّ، وستباعد هذه السورة المنقذة والمنجية بينه وبين أن يكون من المغضوب عليهم أو الضالّين أو الذين يمشون منكبّين على وجوههم لا يعرفون شيئًا عن الصراط المستقيم ولا يهتدون سبيلًا إليه!! إنَّه ولا شك سيكون من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا، وسيكون من المفلحين الذين زكَّوا أنفسهم فآمنوا بربهم فآتاهم تقواهم، ولا شك أنَّ من ينفعلون بهذه السورة المنجية من الذين إذا تليت عليهم آيات الرحمن لم يخروا عليها صمًا وعميانًا، بل سجّدًا وبكيًّا. فعلى المسلمين أن يجعل كل منهم هذه السورة منهاج حياته، وليكون من الذين يرثون الفردوس ويكون من الخالدين فيها.

إنَّ خلاصة تدبرنا لهذه السورة ودرسها الذى نضعه بين يديك أيها القارىء الكريم هو محاولة متواضعة نريد أن نثبت بها لكل مسلم ومسلمة أنَّ هذه السورة المؤلّفة من السبع المثانى  عليه أن يتلوها حق تلاوتها فى المرات العديدة التى يصلي بها تاليًا لهذه السورة  قارئًا لها، إنَّ إتقان هذه السورة تلاوة وتدبرًا وتذكرًا وتعقّلًا كفيل بتصحيح مسار أىّ إنسان أخلص قلبه لله وصدقت نيته واستقر عزمه وتصميمه على أن يسلك سبيل المهتدين، ويتصف بصفات المتقين ويبتعد عن سبل المغضوب عليهم والضالّين.

كأنَّ الله (سبحانه وتعالى) علم أنَّ هناك إناسًا قد لا يستطيعون قراءة القرآن –كلّه- والإحاطة بسوره، والسياحة فى رحابه فجعل من هذه السورة وسيلةً لوصل الناس بكتاب الله (تبارك وتعالى) وإنقاذهم من جريمة الوقوع فى هجره. إنَّا نهيب بأئمة المساجد وخطبائها والمدرسين والدعاة أن يعلموا الناس الشهادتين ومعانيهما العميقة ودلالاتهما الدقيقة، وكذلك علينا أن نعلمهم سورة الفاتحة وتدبُّرها والعمل بها بشكل يجعل منها منهجًا فاعلًا ومؤثرًا فى بناء الشخصيَّة المسلمة يستطيع أن يمارسه كل إنسان قادر على قراءة هذه السورة وتدبرها وحسن تلاوتها حق التلاوة .

وقد وددت أن أتعرض لنفحات الله وتجليات أنوار كتابه بتناول هذه السورة الكريمة بالتدبُّر وحسن التلاوة، وتسجيل فهمى لها وتدبرى فيها وتقديمه لقُرَّائي الأعزاء لعلهم يجدون فى مشاركتى هذه التأملات ما ينفعهم -إن شاء الله- ويجعلهم قادرين على تدبُّر هذه السورة فى كل يوم وليلة بقدر ما يستطيعون.

إنَّ هذه السورة من بعض فضائلها أنَّ الله (تبارك وتعالى) شكر لعباده الذين يتلونها حق تلاوتها صنيعهم، فجعلها بينه وبينهم، يحمدونه ويمجدونه ويحصرون الحمد والتوحيد فى ذاته العليَّة والألوهيَّة والربوبيَّة فيه وحده (جل شأنه) وكذلك الملك فى الدنيا والآخرة فهم يتوجهون إليه بالاستعانة المخبتة الخاشعة التى توحد الله وتفرده (جل شأنه) بالربوبيَّة والألوهيَّة والحمد والعبادة، ثم تتوجه إليه ضارعة أن يهديها للتى هى أقوم، ويهديها سواء السبيل، ويعيذها من همزات الشياطين ونزغاتهم، ويحميها من أن تسلك سبل الضالّين أو المغضوب عليهم، فهذه الكلمات الخمس والعشرون فى هذه الآيات السبع المثانى تتلقاها البشريَّة بالقلوب الخاشعة لأنَّها تدرك أنَّها تقرأ بفاتحة الكتاب: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا * قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا * قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ (الإسراء:106-111).

[1] الراوي: عبادة بن الصامت، المحدث: ابن حبان، المصدر: صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 1785، خلاصة حكم المحدث: أخرجه في صحيحه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *