المشروع القرآني للدكتور طه جابر العلواني
( على طريق استحضار حاكمية القرآن )
بقلم: أ. رانيا رجب شعبان
باحثة مصرية في الدراسات الإسلامية
كيف نستحضر حاكمية القرآن ؟ وكيف يتعاطى النسبي ( الإنسان ) مع المطلق ( القرآن المجيد ) ؟ نستطيع القول بأنّ هذين السؤالين مثلا العمود الفقري لمشروع الدكتور طه القرآني . فقد حاول الدكتور طه عبر مؤلفاته القرآنية [1] إعادة صياغة علاقتنا بالقرآن الكريم لتتحقق لنا – بحسبه – حاكميته لحركة الإنسان في الكون بجميع جوانبها ومستوياتها مستوعباً الزمان والمكان ومتجاوزاً لهما، فليس القرآن كتاباً لاهوتياً بكل ما تعنيه الكلمة من ضيق ومحدودية . و صحيح أنّ حاكمية القرآن بدلالتها الروحية واقرة في نفوس المؤمنين به لكن استحضارها وتطبيقها هو ما ذهب فيه المسلمون فرقاً وشيعاً حتى فارقوه من حيث لا يعلمون ، ثم ضُيقت دائرة حركة الإنسان في الكون لتتناسب مع الرؤية الضيقة للقرآن الكريم ، واعتبر كل ما يقع خارج هذه الدائرة إما من البدع والمحدثات أو من الأمور الدنيوية التي يجب ألا ينفق فيها المسلم وقته وجهده ، فانحسرت العبادة في الطقوس العبادية بدلاً من أن تستوعب حركة الإنسان في هذه الحياة ، وأصبح القدر المطلوب من العلوم التي وصفت بأنها “دنيوية” هو ما يعين على حساب المواريث وتقدير بدايات الشهور، حتى ضمُر بعد الاستخلاف في وعي المسلم بدوره في هذا الكون .
وحتى تتحقق حاكمية القرآن لا بد من معالجة العوالق والمعوقات التي تحول دون استحضار تلك الحاكمية؛ وسيدها جميعاً تحكيم النسبي على المطلق بإسقاط النسبية البشرية على الخطاب القرآني وسحب المُطلقية على الفهم البشري لهذا الخطاب المطلق…… ، فلا يمكن لأحد أن يزعم بأنه تجرد في تعاطيه مع القرآن الكريم من المؤثرات المختلفة التي تشكل وعي الإنسان في إطار زمكاني معين . وصحيح أننا لن نستطيع التجرد من جميع تلك المؤثرات والتي سماها الدكتور طه بالسقف المعرفي ، لكن لا يجب أن يُعطى الفهم البشري صفة القداسة والإطلاق بل يجب أن يُعترف بنسبيته ، وألا يُحتكر فهم القرآن لجيل معين .
وهنا يتبنى الدكتور طه رؤية نقدية شاملة للعلوم الإسلامية التي بُنيت حول الخطاب القرآني باعتبار أنّ المنهجية التي تأسست عليها تلك العلوم والمعارف متعارضة مع منهجية القرآن الكريم فعانت من الفصام بين الاعتقاد النظري بأنّ الخطاب القرآني خطاب إلهي معجز ومهيمن على ما سواه ، وبين الاستحضار الفعلي لهذا الاعتقاد عند التعاطي معه، فليست المشكلة محصورة في بعض موضوعاتها ومسائلها ، فالمطلوب – كما يرى الدكتور طه – بناء منهجية للتعامل مع القرآن المجيد مستمدة من القرآن ذاته – فللقرآن منهجه ومنطقه – ومن ثَمّ نتمكن من استخلاص منهجية معرفية قرآنية كونية تستوعب الكون وحركة الإنسان فيه .
أين العلوم التي بنيت حول الخطاب القرآني من حاكمية القرآن؟
الفصام بين الإقرار النظري والاستحضار الفعلي :
يرى الدكتور طه أنّ هذه العلوم وقعت في مآزق عدة بسبب ذلك الفصام ؛ فإلى كونها قد كرست هيمنة نسبية البشر على مطلق الكتاب وقيدته إلى مدركاتها الظرفية ومحدداتها الزمانية والمكانية وسقوفها المعرفية ، قاسته على معهود اللسان البشري فحكّمت نواقصه عليه ، وقاسته على الكتب التي سبقته استنادا إلى تصورٍ بأن هناك تشابه بين بعض موضوعات وقضايا الخطاب القرآني والكتب السابقة عليه ؛ فغُيِّبت هيمنته عليها ؛ مما فتح الباب أمام تراث لاهوتي بشري مجاف للقرآن ومتصادم مع العقل ران على فهمنا للخطاب القرآني ؛ وما جاء الخطاب القرآني إلا ليطهر الكتب السابقة منه ، وغُيّب بعد العالمية في الخطاب القرآني وحُصِر في دائرة ضيقة كما لو كان خطاباً قومياً منحصراً في قوم أو محيط جغرافي محدد أو فترة تاريخية معينة . كما أنّ بعض هذه المعارف قد تجاوز إطلاق القرآن في خضم التشتت الطائفي والتمزق المذهبي فصيغت الكثير من القضايا الكلية في سياق ردات الفعل ، فبرزت تفسيرات متضاربة ، وتأويلات متناقضة وفقه مختلف ؛ وفي المحصلة استُبدلت مرجعية القرآن وحاكميته بتلك العلوم والمعارف فصارت مقصودة لذاتها أو مرجعيات بديلة يُستغنى بها عن الرجوع إلى القرآن.
كل ما سبق كان نتيجة لتجاهل هذه العلوم خصائص الخطاب القرآني بوصفه خطاباً إلهياً نزل ليُقاس عليه وليس العكس ؛ فقد تجاهلت هذه العلوم عند تعاطيها مع القرآن المجيد وحدته البنائية وانتهجت نهج التعضية ( الذي عابه القرآن الكريم على الجاحدين به من المشركين وأهل الكتاب ) واعتمدت أسلوب الاستشهاد بالاجتزاء منه لدعم المقولات المختلفة والمتناقضة . وقد كان ذلك محصلة لضيق ومحدودية النظرة للقرآن الكريم والتعاطي معه ككتاب لاهوتي محدود المقاصد يحوي قضايا جزئية لبعض جوانب حياة الإنسان ، وهذا بدوره مكّن سيادة القراءة اللغوية للقرآن الكريم والتي أعقمت عقولنا عن استلهام قدرة القرآن على استيعاب الزمان والمكان وتجاوزهما . هذا ما رصده الدكتور طه عبر كتبه التي حوت مشروعه القرآني ، ونستطيع تكثيف تلك المآخذ على النحو التالي :
الفقه بين التعضية والمحدودية
انشغل الفقهاء بإنتاج الفقه وتقعيد أصوله للاستجابة لمستجدات الحياة المتسارعة وإعطاء الأحكام المناسبة للنوازل . وهناك من انشغل بما عرف آنذاك بالفقه الأكبر الشامل لأصول الدين ( علم الكلام) وأصول الفقه إضافة إلى الفقه ذاته ، وجُل تلك البحوث كانت تستدعي النظر في الدليل الجزئي التفصيلي لا في القرآن كله باعتباره مصدراً منشئاً بكليته ودليلاً كلياً مما كرس منهج التعضية. ولذلك فإنّ الأصولي حين جاء لبحث الدلالات فإنه لم يضع شيئاً يشير إلى ضرورة النظر في سائر آيات الكتاب الكريم بل حصر ذلك في أحوال النص المفرد فبحث الخاص والعام ، والمطلق والمقيد ، والأمر والنهي ، وصيغ العموم وصيغ الخصوص ، ومقتضى اللفظ والمفهوم ،والمشترك والمؤول والنص والظاهر والمفسر ،…. وكل هذه مباحث تتعلق بالألفاظ المفردة أو دلالتها وسائر العوارض الذاتية المتعلقة بها ، دون النظر في المناسبات والروابط وشبكات العلاقات بين الكلمات في إطار الآية ولا بين الآيات في إطار السورة ، ولا بين السور في إطار القرآن كله .
كما أنّ تمحور علمي أصول الفقه والفقه حول مفهوم التكليف بمعناه الضيق أدى إلى غياب بعدي عالمية الخطاب القرآني والعمران . فقد فسر علماء أصول الفقه “الحكم الشرعي” بأنه : ” خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع ” في حين أنّ الخطاب القرآني خطاب عام شامل يتناول الجنس البشري كله إلى يوم القيامة وقد أكدوا هذا العموم وفصلّوا قضاياه ، لكنهم حينما تناولوا القضايا الفقهية الجزئية اختلفوا في تناول الخطاب الإلهي بفروع الشريعة لغير المسلمين فألقى ذلك النزاع ظلالاً على عموم الخطاب القرآني وشموله للناس كافة انعكست آثاره الفكرية على عالمية الخطاب القرآني وأفرزت كثيراً من القضايا التي كان على العقل المسلم أن يكون في منأى عنها . ومن ناحية أخرى فقد أدى قصر اهتمامهم فيما يتعلق بالإنسان أو ” المحكوم عليه ” على جانب تعلق الخطاب التكليفي به وقضايا “أهلية التكليف ” وخوارم هذه الأهلية وشروطها وعوارضها – أدى كل هذا إلى – قراءة الخطاب الإلهي قراءة واحدة وجزئية لا تستدعي ارتياد آيات الله وسننه في الأنفس والمجتمعات والآفاق بشكل يمكن أن يولد نوعاً من العلوم والمعارف الإنسانية والاجتماعية ، بل اقتصرت تلك الدراسات والمباحثات على ذلك الجدل العقيم في مصادر التقويم للفعل الإنساني ، وما إذا كانت تلك المصادر شرعية أم عقلية مما استتبع فصاماً بين العقل والنقل كانت له أفدح الآثار على الفكر الإسلامي ، وبما يخالف المنهجية القرآنية في الجمع بينهما .
ونتيجة لتلك النظرة الضيقة أدرجت كل متطلبات العمران والشهود الحضاري تحت مفهوم ” فروض الكفايات ” وفسرت تفسيراً قاصراً بأنها الفروض التي إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين فأدى ذلك التصور في عصور التقليد والتخلف إلى إهمال تلك الفروض التي تعتبرها منهجية القرآن جزءاً من المفهوم الشامل للعبادة . وبذلك عطلت القراءة الثانية قراءة سنن الله في الكون والآفاق والأنفس من خلال ربط المعرفة بمحيط الفقه وحده ومدحها أو ذمها تبعاً لذلك ؛ فالممدوح هو ما لا يتم الواجب إلا به وإلا فلا قيمة له . وأما المشتغلون بعلم الكلام فقد أدخلوا قضايا الغيب التي حسمها القرآن في نطاق الجدل دون استثناء ، وعمد كل فريق إلى انتزاع واجتزاء الشواهد التي يرونها مؤيدة لآرائهم واستخدامها في وجه الخصوم .
ولم يقف النزف عند هذا الحد فقد انشغل المفسرون بالبحث عن معاني المفردات اللغوية وأسقطوا نسبية ومحدودية اللسان البشري على الخطاب القرآني وتجاهلوا إطلاقيته ووحدته البنائية ، ما أدى إلى تكريس تصور خطير بحاجة القرآن إلى غيره من مصادر البيان ووسائل الفهم والتفسير أكثر من حاجتها إليه فباتت هي المهيمنة عليه وليس العكس . وكان من أهم تبديات ذلك تحكيم لغة العرب بمضامينها الثقافية على لسان القرآن .
لسان القرآن
وقد أفرد الدكتور طه كتاباً للسان القرآن برهن فيه على أنّ لسان القرآن عربي لا يخالطه دخيل أو أعجمي ، فكل رسول أو نبي أرسل بلسان قومه ، والأهم أنّ اللسان العربي لسان محايد لم يحمل قبل القرآن رسالة دينية ، كما لم يُحمّل بمعانٍ فلسفية أو معرفية قد تزاحم المعاني التي يحملها الخطاب القرآني ، وإلى ذلك فإنّ عربية لسان القرآن تُعد لازماً من لوازم الوحدة البنائية للقرآن الكريم وتيسيره وبيانه ؛ فالقول بوجود ألفاظ أعجمية أو معربة فيه يعني أنّ المرجعية اللسانية للقرآن الكريم باتت مشتتة ما يجعل الغموض والالتباس صفة لصيقة لا تزايله . وللقول بوجود ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم وتحديداً بلغات الكتب السابقة عليه مقصد آخر فذلك يفتح الباب أمام القول ببشريته واقتباس بعض ما فيه من الكتب السابقة ، وعلى الجانب الآخر لا تعني عربية لسان القرآن أنّه لسان قومي فهو خطاب للعالمين ؛ إلا أنّ البعض – كالشاطبي – قد ذهب إلى حد القول بأمية الشريعة لأنها خاطبت أمة أمية وهذا هو الوجه الآخر للقول بتاريخية الخطاب القرآني ؛ دون الالتفات إلى أنّ الأمية التي عناها القرآن توصف بها الأمم التي لم يرسل لها رسول أو ينزل عليها كتاب – حيث كان هذا الوصف في مقابل أهل الكتاب – وهو وصف زال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن العرب بنزول القرآن الذي خاطب أولاً العرب ليهيئهم لحمل هذا الخطاب إلى الأمم الأمية الأخرى من فرس وكرد وتركمان وغيرهم ، وفي ذات الوقت طهر الكتب السابقة عليه من التحريفات والانحرافات وصدق عليها ثم هيمن عليها . وهنا يلفت الدكتور طه إلى نقطة غاية في الأهمية وهي أنّ القرآن عبر عن ذلك بقوله تعالى ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ (الشعراء:195) فهو لم يأخذ اللغة العربية بما تحويه من مضامين مرتبطة بثقافة العرب ، وإنما أخذ لسانه من اللسان العربي ما أراد وطوعه لمضامينه ونظمه وبنائه وتجاوزه ، فلسانه مفارق للسان العرب ولألسنة البشر جميعاً فقد برئ من نواقص اللسان البشري وإلا فأين الإعجاز وأين التحدي ، وهو إلى ذلك لسان وليس لغة لأنه هداية للعالمين من غير العرب فيسهُل عليهم تعلمه وفهمه . لكن القرآن لم يقف عند هذا الحد بل أخرج اللغة العربية من إطارها القومي الضيق إلى آفاق العالمية حتى أصبحت اللغة العربية مدخلاً للانتماء إلى ثقافة وحضارة لا إلى قومية .
وقد ترتب على المنهجية السابقة التي قامت عليها تلك العلوم بروز إشكاليات مفتعلة على القرآن الكريم قوامها سيادة توهم بإمكان وقوع تعارض في القرآن الكريم ، فعالجها المجتهد بالقول بالنسخ أو بالقول بالمحكم والمتشابه . وتعتبر هذه أهم الإشكالات المثارة في هذا الإطار ولهذا أفرد الدكتور طه لكل منهما كتاباً . ويمكن لنا أن نكثف معالجة الدكتور طه للقضيتين على النحو التالي :
إشكالية النسخ إشكالية فهم لا إشكالية وجود
على الرغم من أنّ قضية النسخ قد بنيت على حقيقة نزول القرآن منجماً إلا أنها قد مرت بطورين رئيسين ؛ الأول عند المتقدمين حيث كان معناه النقل ولا يعدو أن يكون متعلقاً بورود نصين – في ذهن الفقيه – على قضية واحدة فيكون السابق دالاً على حكم في حالة واللاحق يدل على انتقال عن ذلك الحكم في إطار تخصيص العام وتقييد المطلق وبيان المجمل. وأما في الطور الثاني أي عند المتأخرين أعطي النسخ معنى إبطال الحكم ومحوه لعلاج التعارض المتوهم بين نصين ؛ والمستند في هذا القول غالباً هو الرواية وهي في أحسن أحوالها ظنية الثبوت ؛ وبذلك يُحكّم الظني على القطعي ويصبح النص القرآني تابعاً لا متبوعاً، وهذا يناقض حقيقة أنّ القرآن محفوظ ببنائه ﴿ ..إن علينا جمعه وقرآنه﴾ ( القيامة :17) بما يعني أنّ حكمة التنجيم انتهت بانتهاء عصر التنزيل ، فلم يكن ذلك لربط تلك النجوم القرآنية ببيئة ذلك العصر ؛ بل لتكوين “الأمة القطب النموذج” بها وإبراز معالم منهج التكوين دون تقييد بذلك الواقع المبارك ، فالخطاب القرآني قادر على الانفتاح على حركة الزمن في عصر النبوة وما بعده ؛ وإلا فإنّ هذا يؤدي إلى القول بتاريخية الخطاب القرآني بتقادم بعضه ، كما وأنه – أي الخطاب القرآني – لا ينشب بأية قضية جزئية أو حالة أو واقعة محددة وإنما يبني منظومة متكاملة للمقاصد والقيم ؛ فللنص وظيفة اجتماعية ونفسية وليس فقط تشريعية؛ ولذلك فإنّ القرآن قد يعالج ذات القضية في مواضع متعددة منه ولكنه في كل موضع يتناولها من زاوية مختلفة ليحقق غاية تتكامل مع مقاصده الكلية ، وعلى ذلك فلا تنازع بين تلك النصوص في محل الورود ؛ هذه إذن هي استراتيجية الخطاب القرآني. ويتعجب الدكتور طه من أنّ القائلين بالنسخ هم من آمنوا بأزلية القرآن وقدمه وخاضوا معارك وقدموا تضحيات في سبيل ذلك ، لكنها عقلية التجزئة!! وهي ذاتها التي تقبلت القول بالنسخ رغم أنها ترفض البداء في حين أنّ المعاني والتصنيفات التي ذكرت للنسخ تؤول إلى معنى البداء !! وقد وضع القائلون بالنسخ في القرآن تصنيفات لأنواعه وأكثر تلك الأنواع هو مازال حكمه وبقي لفظه وتلاوته لأنه يعالج التعارض الذي يتوهمه الفقيه بين نصين قائمين ؛ وأخطرها جميعاً القول بنسخ التلاوة وبقاء الحكم لأنّ من شأنه إقحام ماليس من القرآن عليه استناداً إلى روايات – مهما بلغ شأنها لن تكون إلا ظنية كالروايات التي تتكلم عما عرف بآية الرجم التي نسخت تلاوة وبقيت حكماً ، وهي في الحقيقة من التوراة ولازالت موجودة في بعض نسخها . وهذا كله متعارض مع حفظ الله تعالى لكتابه بلفظه وبنائه ﴿ ثم إن علينا جمعه وقرآنه*فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ (القيامة18:17) ولولا حفظ الله للقرآن لفتحت مقولة النسخ تلك أبواب التحريف والوضع على متن القرآن المجيد ما كانت لتنغلق حتى يبحث اللغويون عن جمع للفظة قرآن .
وكان لابد من تقديم رؤية بديلة للنسخ ولقراءة الخطاب القرآني بعيداً عن سيطرة وهم التعارض أو تنازع الورود بين النصوص التي زُعم التناسخ بينها؛ بتتبع مواردها في القرآن الكريم وقراءة سياقات الورود ووضعها جميعاً في إطار الوحدة البنائية للقرآن الكريم والجمع بين القراءتين ( قراءة الكتاب المسطور وقراءة الكون ) ليستنتج الدكتور طه أنّ قضية النسخ في القرآن لا تعني أبداً إبطال بعض آيات القرآن أو إزالتها أو إبدال بعضها مكان بعض بل على العكس من ذلك تعني تثبيت القرآن المجيد كله في مقابل أي محاولة للنيل منه أو التشويش عليه أو التشكيك فيه أو الحؤول دون الإيمان به والصد عنه قال تعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (الحج:52) ، أو في مقابل ما سبقه من كتب وشرائع وأنساق قامت على الاصطفاء القومي أو الأسري والخوارق والارتباط بأرض مقدسة وحاكمية إلهية لن تعود أبداً ، وما كان تحويل القبلة من بيت المقدس والعودة بها إلى البيت الذي بني من أول يوم ليكون مثابة للناس أي : إلى المسجد الحرام إلا في هذا الإطار ؛ فقد كانت مرحلة الصلاة لبيت المقدس مرحلة مؤقتة– للبحث عن المشتركات مع بني إسرائيل لإثبات وحدة المصدر والأصل – ولما تم تحويل القبلة كان ذلك إعلاناً بانتهاء تجربتهم وطي صفحتهم إلى الأبد ، بعد أن أمر الله المسلمين بقبول أنبيائهم والإيمان بهم أجمعين وضم أمة الأنبياء كلها إلى هذه الأمة والتصديق برسالات سائر الأنبياء والرسل والهيمنة عليها بهذا القرآن بحيث تتوحد مرجعية البشرية كلها فيه . إذن لم يكن الإبطال داخلياً وإنما مع الشرائع السابقة ، وحتى لا تكون الرسالة الخاتمة مجرد رسالة لا حقة وإنما رسالة مهيمنة .
ومن الأمثلة التي تضرب في هذا السياق نسخ قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ …﴾ (النساء:43) بقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾(المائدة:90) وهنا يبين الدكتور طه أنّ كلاً من الآيتين وردت على مورد مغاير فالآية الأولى موضوعها صلاة السكران وتوضيح أنّ السكر لا يتناسب والصلاة التي يفترض أن يقوم الإنسان بها بكامل وعيه وطاقاته النفسية والعقلية ليتحقق الخشوع والفهم والإدراك لما يقول ويفعل . وأما الآية الثانية فموضوعها بيان حكم مجموعة من ممارسات الجاهلية من ضمنها الخمر والمنع من ممارسة أيٍ منها ؛ فالجهة منفكة بين الآيتين .[2]
المحكم والمتشابه:
وأما إشكالية المحكم والمتشابه فقد دارت حول الآية السابعة من آل عمران والتي تقول بأنّ القرآن فيه آيات محكمات وأخر متشابهات ، لأنّ سائر الموارد وصف فيها القرآن كله بالإحكام وكله بالتشابه ؛ بما لا يشير إلى تعارض بين الصفتين فهو كله محكم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ بيّن لا التباس فيه ولا اشتباه ، وهو كله يشبه بعضه بعضاً لا اختلاف فيه ولا تناقض . ولم يكن من المتوقع أن يقدم منهج التعضية إلا تفسيرات مربكة لمعنى المحكم والمتشابه في آل عمران ؛ حتى وصل الأمر إلى حد القول بأنّ في القرآن غموض والتباس ، أو أن فيه ماهو غير قابل للتفسير، وهذا كله يؤسس إلى جعل النص مستباحاً من قبل من يتعاطى معه فقد جُرد النص – بحسب هذا التصور – من مقومات البيان الذاتية فغموضه لا يعني إلا إنكشافه أمام الإسقاطات الخارجية بلا أي ضوابط يُحتكم إليها. فمررت الكثير من التفسيرات المتضاربة لتعزيز المواقف والآراء المذهبية ؛ إذ توصف الآية التي تخالف هذا المذهب أو ذاك بأنها متشابهة أي لا يعول عليها لأنها غامضة أو حمالة أوجه أو لا يمكن تفسيرها ، كما وفتح المجال للتفسيرات الباطنية والغنوصية ، وبالنتيجة حال بيننا وبين استحضار حاكمية القرآن ومهد لتحكيم ما سواه عليه .
وعند معالجته لهذه الإشكالية ؛رجع الدكتور طه في تفسير آية آل عمران إلى سياق الورود وعلاقته بالقرآن ككل في إطار الوحدة البنائية ؛ حيث وردت في سياق مناقشة النصارى من أهل الكتاب بعد أن فرغت سورة البقرة من مناقشة اليهود ، وذلك يجعل السياق يشي من بداية السورة بأنّ التشابه يقصد به التشابه بين الكتب المنزلة في تحديد أركان العقيدة وأصول الشريعة – وهذا ما أكده القرآن في غير موضع – مما كان جديراً بأن يكون دافعاً لأهل الكتاب بأن يقبلوا على الرسالة الخاتمة ، لكن زيغ قلوبهم يدفعهم إلى قلب الآيات وإذا بدليل وحدة الأنبياء وتكامل رسالاتهم يتحول إلى منقصة – بزعمهم تصدهم عن الإيمان باعتبار أنّ التشابه يثبت أنّ ما لديهم هو الأجدر بالاتباع ، وأما المحكمات فهي الآيات التي انفرد القرآن بها- أي التي تثبت خصوصية الرسالة الخاتمة عما سبقها – والتي لم تكن كافية- أيضاً- طبقاً لزعمهم للإيمان بأنه أتى بجديد ، فهم يريدون إثبات تبعية القرآن لهم من كل وجه . وبطريقة أخرى فإنّ المحكم والمتشابه في آية آل عمران ليس وصفاً لبعض آيات القرآن في مقابل البعض الآخر ، وإنما وصف لها في مقابل ما سبقه .
وبغض النظر أنتفق مع الدكتور طه في ما قدمه من تفسير للمحكم والمتشابه في آية آل عمران أم لا ، إلا أنّ أهم ما تقدمه الدراسة هو المنهج المتبع في التفسير والذي بقدر ما قدم حججاً لإثبات الطرح الجديد قدم حججاً لنفي التصور السائد . فلا يستقيم أن يصف القرآن نفسه بأنه كله محكم وكله متشابه على نحو متلازم ، ثم يعود فيستخدم ذات الصفتين على نحو متقابل بأن تكون الأولى صفة لبعض آياته والثانية صفة للآيات الأخرى ، دون الرجوع إلى قرائن السياق وإلى علاقة هذه الآية بسائر البناء القرآني والذي ينفي ويسقط التصورات القائلة بأنّ في القرآن غموض والتباس، أو أنه حمال أوجه ، فالمشكلة – بحسب الدكتور طه – فيمن يفسر القرآن- في فهمه وفي منهجه في التفسير وفي العوامل المؤثرة في إدراكه ووعيه – لا في القرآن ذاته ، فالنسبية ذهنية أي في ذهن القارئ للقرآن الكريم – سواء أكان فقيها أو مفسراً أو غير ذلك ، وليست في ذات الخطاب القرآني ، فلماذا نسقطها على القرآن وننسب إليه ما فينا من نقص بشري وهو منزه عنه !!
ولأنّ صاحب أي مشروع فكري لا تتبلور رؤيته النقدية لما كان إلا بتصور مبدئي لما يجب أن يكون ؛ هذا التصور المبدئي ينضج تدريجياً ليستوي على سوقه ؛ فتوضع قواعده وترتفع أركانه لكنه يبقى مفتوحا وممتداً . فماهي قواعد وأركان المشروع القرآني للدكتور طه ؟
لا بد من المنهج :
كما سبق فإنّ القاعدة الأساس التي ينهض عليها مشروع الدكتور طه القرآني هي حاكمية القرآن المجيد بوصفه – وحده – المصدر المطلق والمُنشئ( أي مصدر تشريع ) ، وهذا يعني أنه حاكم ومهيمن على ما سواه ، فكل ما سواه نسبي سواء أكان المصدر المبين الذي يتكامل معه في المرجعية ( السنة النبوية ) أو ما دونها من وسائل وأدوات للفهم والمقاربة ، وهذا ليس فرضاً خارجاً عن القرآن وإنما هو ما بيّنه وأكده القرآن الكريم ذاته . ولهذه الحاكمية لازمين رئيسين ؛ الأول : أنّ القرآن يجب أن يُقرأ بالاحتكام إلى القرآن ذاته وهذا يعني أنّ للقرآن منهجه ومنطقه وسننه وأساليبه وعاداته والتي يجب أن تُستقرأ لتكون هي الحاكمة على أي محاولة لفهمه . والثاني أنّ حاكمية القرآن المجيد تقتضي أن يكون مستوعباً للزمان والمكان ومتجاوزاً لهما ومهيمناً عليهما – فهو كتاب كوني أي معادل موضوعي للكون وحركته ومستوعب لهما وقادر على استيعاب الصيرورة التاريخية فهو لا يتعلق تعلقاً مباشراً وتاماً وناشباً بأية إشكالية جزئية ؛ وهذا بدوره يقتضي أن يكون متضمناً لناظم ينتظم دلالاته ومعانيه ومقاصده وهذا الناظم – طبقاً للدكتور طه – هو المنهج قال تعالى ﴿ .. لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ..﴾(المائدة:48) ويرى الدكتور طه أنّ المنهج هو أهم مفهوم قرآني بعد التوحيد ، وأنه لا ينبغي أن تكون آية سورة المائدة هي المنبع الوحيد لصياغة المفهوم قرآنياً بل ينبغي قراءة جميع الآيات الداخلة في شبكة المفاهيم الفرعية المحيطة بمفهوم المنهاج ومنها الصراط المستقيم ، السبيل السوي ، سبيل الله ، الأسوة الحسنة ، بالإضافة إلى الأقوال والمواقف النبوية المتكاملة معها كحديث المحجة البيضاء . فالقرآن الكريم كتاب مُبِين ، يقدم لنا منهجاً معرفياً شاملاً لنقرأ به الكتابين المسطور والمخلوق . فيجب أن نقرأه به ، ليكشف لنا عن أبعاد ومحددات منهجية جديدة تفتح لنا آفاقاً لقراءة الكون وتفسير الظواهر المختلفة ، وكلما طرح الواقع أزمات قرأناها وصغناه[i]ا في تساؤلات ، ونعود بها إلى القرآن ليجيب على هذه التساؤلات لنكتشف بالتدبر والتفكر مزيداً من المحددات المنهجية تعمق رؤيتنا
للواقع ، وهكذا مجدداً وباستمرار نصدر منه ونعود إليه .
إذن لا بد من المنهج فلو كان القرآن من عند غير الله لوجدنا فيه اختلافاً كثيراً ، فلا تصلح له القراءة الاجتزائية أو الانتقائية أو المؤدلجة ( حيث تصاغ التصورات والمعالجات خارج دائرة القرآن وفقاً لأيديولوجيا معينة ثم نذهب إليه نجتزأ منه وننتقي لتأييد ذلك الفهم المؤدلج) ويمثل الدكتور طه لذلك ب”فكر المقاربات” الذي يمارسه الفكر الإسلامي ، فحينما تثار قضية المرآة من قبل الليبراليين يسارع الإسلاميون إلى إنزال الواقع على النص بالشكل اللامنهجي المتقدم ليتقبل القرآن الواقع الليبرالي فيصبح التعدد ممنوعاً أو شبه ممنوع ، بينما إذا نحن اتجهنا إلى القرآن بشكل منهجي – والكلام للدكتور طه – نستحضر خلاله الرؤية القرآنية الشاملة التي تبدأ مع بدأ الخلق وتمر بالأسرة والشعوب والقبائل والمجتمع فتعالج قضية التعدد أو الميراث أو الشهادة في هذا الإطار الكوني .
فلا بد إذن من قراءة منهجية تستمد منهجها من القرآن الكريم ذاته.
معالم في المنهج القرآني :
لا بد أن تنضبط قراءة القرآن المجيد بمنهج من أهم معالمه : أن يُقرآ قراءة شمولية تجاوب وحدته البنائية ؛ فالقرآن كله كأنه جملة واحدة بل وكلمة واحدة ، وللوحدة البنائية دور كبير في فهم مقاصد القرآن المجيد ومعانيه ؛ فهو يعبر عنها بأجمعه؛ بنظمه وأسلوبه وسياقه ومواقع كلماته من آياته ، ومواقع آياته من سوره ، ومواقع سوره منه ، فاجتزاء آية أو آيات منه ومحاولة فهمها معزولة عن سائر القرآن الكريم أدى بنا إلى فوضى التفاسير المتضاربة ؛ كل منها يقتطع من القرآن ما يعضد ما يذهب إليه كما هو الحال مع قضية التسيير والتخيير التي أدت القراءة التجزيئية والإنتقائية إلى تصورات مضطربة ومشوشة عنها ؛ حيث يُستشهد بالآيات التي ذكرت فيها المشيئة والإذن والإرادة فقط ، في حين أننا لن نستطيع فهمها إلا بالقراءة الشاملة للقرآن في وحدته البنائية ؛ لأنّ الخطاب القرآني حينما يبني قيمة من قيمه أو يشيد مقصداً من مقاصده فإنه يقوم بذلك بأجمعه وكل آياته وسوره تدخل في تكوين ذلك المقصد أو تلك القيمة ، ولكن من مواقع مختلفة ، وليس بتخصيص بعض من آياته لذلك وبتكامل وتشابك مع سائر مقاصده وغاياته . وبذلك لا بد من قراءة آيات العهد( في عالم الذر ) ثم آيات إيجاد آدم واستخلافه في الأرض ثم عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال وحمل الإنسان لها ، ثم آيات الابتلاء والتكليف والغيب وهكذا يستخلص الدكتور طه أنّ الإنسان مخير ومالك لحريته في الاعتقاد والقول والعمل وسائر التصرفات الفردية وعدم القول بذلك هدم لسائر أسس التكليف ، وع ذلك فإنّ هذه الحرية مقيدة في جانب منها بالمحيط الاجتماعي واالسنن التي أودعها الله في الطبيعة .
كما انه لا بد من استقراء الخصائص المنهجية للغة القرآن المجيد ، وناظم هذه الخصائص أنّ الاستعمال الإلهي لأي كلمة لا يسمح بخلوها من دلالة معرفية منهجية فالكلمات في القرآن الكريم ليست مجرد مفردات لغوية بسيطة المعاني بقدر بساطة مستوى فكر العربي ، وإنما أصبحت باستعمال القرآن لها مفاهيم مركبة وغنية بالمعاني والدلالات التي أراد الله أن تتسع لها ؛ ينتظمها وحدة منهجية ، فلا يمكن أن يستعمل القرآن ذات الكلمة استعمالاً مضطرباً لدلالات متضاربة لا رابط بينها . ولذلك فإنّ الحاجة ملحة – بحسب الدكتور طه – لقاموس قرآني مفاهيمي يبحث عن معاني القرآن في القرآن من خلال نظمه وسياقه وسننه ذاته ويجعل من التاريخ اللغوي والتطور الدلالي ومعرفة الواقع وعلاقة اللغة به مراجع معضدة وليست أصولاً ومصادر حاكمة . وحينها لن نضطر إلى القول بأنّ في القرآن ترادف أو تكرار أو مجاز أو كناية .
وبعد تجاوز القراءة المعضاة بكل سلبياتها لا بد من الوصول إلى القراءة الجامعة أي الجمع بين القراءتين قراءة الوحي وقراءة الكون ، فيُقرأ القرآن في وحدته البنائية ويُقرأ الكون في وحدته العضوية في ضوء استيعاب القرآن للكون وحركته ؛ فالوحي ينبه إلى ما في الكون من عناصر ومؤثرات وإلى ترابط الأسباب بالمسببات ، و فعل الغيب في الواقع، وكيف يمكن رصد آثار هذا الفعل ، وأين يبدأ الدور الإنساني وأين ينتهي أو يتوقف . والكون يساعد على فهم الوحي وحسن قراءته وكيفية استدعائه للحضور الدائم والشهود المستمر لترشيد المسيرة الكونية ، وتحقيق غايات وأهداف الحق من الخلق .
لا بد من قراءة السنة النبوية في وحدتها البنائية الداخلية وفي وحدتها البنائية مع القرآن الكريم :
ولأنّ أي قراءة للقرآن الكريم لا تنفك عن قراءة السنة النبوية ، كان لا بد من وقفة نقدية منهجية مع العلوم التي تناولت السنة النبوية بدءاً من علم أصول الفقه الذي نظر لمصادر التشريع نظرة تراتبية ( القرآن ويليه السنة النبوية ) مروراً بالمدخل الفقهي الذي قرأ السنة قراءة معضاة بحثاً عن أحاديث الأحكام مما حولها إلى جزئيات وتفصيلات ، وصولاً إلى مناهج المحدثين التي هيمنت عليها فكرة الإسناد كمحك رئيس لتصحيح السنة بمعزل عن تصديق القرآن عليها ؛ حتى أصبحت قطعية القرآن مستمدة في نظرهم من تواتر سنده ، لا من حفظ الله له . ثم يقدم الدكتور طه رؤيته للعلاقة بين السنة والقرآن والمتمثلة في أنّ كليهما يشكل الإطار المرجعي للإسلام بوصف القرآن المصدر المنشئ وهي المصدر المبين فبينهما تكامل ووحدة بنائية ، فهما ليسا مصدرين منفصلين لتُسقط السنة من الإطار المرجعي – كما يذهب القرآنيون – أو لتوضع في درجة مزاحمة للقرآن الكريم ، بأن تجعل المصدر الثاني للتشريع ( أي منشئاً) ، وهذا ما أدى إلى اضطرابات في المرجعية وصل لحد القول بحاجة القرآن للسنة أكثر من حاجتها إليه والقول بجواز نسخ السنة للقرآن والعكس وكذلك قبول فكرة إمكان التعارض بينهما ؛ وتوهم البعض بأنّ الفوارق بينهما شكلية تتعلق بالألفاظ والمرتبة من حيث الإسناد ، ما أدى إلى أن ربطت معاني القرآن الكريم بالإطار التاريخي الذي تكونت فيه السنة النبوية المطهرة ارتباطاً وثيقاً فجعلت بيئة التفسير هي بيئة التنزيل ، بما يتعارض مع كون الخطاب القرآني خطاباً شاملاً للناس كافة حتى قيام الساعة . فما هي حقيقة السنة وما حقيقة دورها ؟
يقدم الدكتور طه جواباً عن هذين التساؤلين في إطار التكامل بين القرآن والسنة ؛ أي بين المصدر المنشئ المطلق والمصدر المبيّن ؛ بأنه عليه السلام كان في سنته يمثل تجسيداً لمنهج الربط بين القرآن والواقع ، فالتطبيق النبوي والبيان المحمدي كانا يضيقان الشقة بين مكنونات المنهج الإلهي القرآني المطلق وبين الواقع النسبي . ولذلك فإنه من الصعب فهم كثير من القضايا التي وردت في السنة بمعزل عن فهم هذا الواقع وهو واقع مغاير للواقع الذي نحياه في تركيبته وعقليته ، ما يدفعنا إلى استنباط منهج فقه التنزيل على الواقع من خلال تطبيقات النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم لا من خلال النزوع إلى تقليد ومحاكاة الجزئيات والتفصيلات كما يظن الكثيرون ، فمنهج الاتباع والتأسي باعتباره ناظماً موضوعياً يضم جزئياتها في إطار منهجي ، يختلف عن منهج التقليد .
القرآن والواقع
تناول الدكتور طه مفهوم الواقع في إطار محاولته للكشف عن منهج القرآن المجيد في إعادة بناء الأمة بما يؤسس لعلم جديد هو فقه الواقع . فالقرآن المجيد قد وجه إلى فقه الواقع وضرورة تحليله ودراسته وفهمه بما لا مزيد عليه ، فهناك مئات الآيات الكريمة قد نبهت إلى الواقع وأهميته وضرورة دراسته وتحليله ؛ وما أسباب النزول وعلم المناسبات والسور والآيات التي قامت بتحليل الواقع المكي والمدني والعالمي إلا نماذج تدل بكل أوجه الدلالة على فقه الواقع ودراسته . فنحن نجد في القرآن عدداً من المداخل المنهاجية فقد يقارب القرآن المكنون الواقع باستقرائية تاريخية تجعل القارئ يرى القضية المثارة في الواقع فقرة أو حلقة من تلك السلسلة التاريخية المتصلة ؛ ونجد ذلك كثيراً في القضايا القضايا التي كانت محل جدل مع أهل الكتاب خاصة اليهود في عهده عليه السلام ، وقد يقاربه بعقلية استنباطية تجمع بين الدعوة إلى البحث الميداني والتحليل النظري والفكري . وتمثلت علاقة القرآن بالواقع في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ الواقع كان يفرز مشكلاته وينزل القرآن الكريم لمعالجة تلك لمشكلات والإجابة على تلك الأسئلة .أما في عصرنا فنحن المطالبون بدراسة وتحليل وفهم مشكلاتنا وصياغتها بصيغة السؤال ، ثم نعرج به إلى القرآن ونحاوره حتى نبلغ سبيل الرشاد في أزمتنا . وصياغة سؤال الأزمة أو الإشكالية يتوقف على السقف المعرفي ومستوى تطور مناهج الفكر الإنساني والعقلية الإنسانية ولذا تتحتم دراستها، أما الجواب فيقدمه القرآن بذات المستوى ، ويتكشف عن مكنونه وفقاً للسف المعرفي القائم . فالعربي في الماضي فهم القرآن ضمن خصائص تكوينه ، ففي تلك المرحلة التي تم فيها تدوين العلوم والمعارف النقلية التي دارت حول النص القرآني والحديث النبوي كانت العقلية البلاغية اللغوية وما توحي به من اتجاه نحو تجزئة النص وملاحظة معاني المفردات هي العقلية السائدة ؛ لذلك اعتبر الفهم المتولد عن تلك النظرة والتفسير الذي قام عليها مقبولاً وكافياً في هذه المرحلة . لكن القرآن الكريم ليس خطاباً قومياً ولا جغرافياً ولا تاريخياً حتى يحمّله المسلمون بتجاربهم التاريخية وأفهامهم وتفسيراتهم التراثية على اعتبار أنها تمثل النهاية في فقهه وفهمه وإدراك مقاصده فيحولوا بذلك بينه وبين البشرية . ولقد أسس القرآن الكريم لمبدأ المراجعة من خلال مراجعته لتراث النبيين وهدمه لعناصر التحريف التي دست عليه وأعاده إلى حالة الصدق التي نزل بها وصدّق على الصادق منه وهيمن عليه . إذن ليس المقصود تكريس التبعية بتقليد الآخر واعتباره هو المرجعية ، ولا إعادة قراءة التراث وإعادة تمثيله في الواقع ؛ فهو كذلك ليس المرجعية ، وإنما المطلوب إعادة قراءة القرآن الكريم وتدبره بالاستعانة بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتمثل نهجه ودراسة ذلك كله دراسة تحليلية تمكن من استخراج المقاصد القرآنية وفهم الغايات النبوية ، واستخدام كل الوسائل المناسبة التي توصل لها الإنسان للفهم والتنزيل على الواقع لإخضاعه لهيمنة القرآن المجيد ليصبح القرآن العظيم المصدر الأساس لتشكيل الحياة المعاصرة فكرياً وثقافياً وعمرانياً وحضارياً ويتمكن المسلم المعاصر من القيام بمهمة الاستخلاف والنهوض بواجب الشهادة على الناس .
المنهجية القرآنية الكونية
إنّ القرآن المجيد بكونيته يمكن أن يبني ويؤسس ” الإطار الكوني الشامل للفكر الإنساني ” ويصدّق على العلم ومنهجه ومنطقه ويهيمن عليه ، ويوجه الجهود الإنسانية بشكل جماعي لتطوير الأرض وإعمارها وإنماء ما فيها ، ويمكنها من مواجهة الأزمات العالمية الراهنة ، بحيث يصبح حملة الخطاب القرآني شركاء فاعلين في مسيرة العلم والحضارة ومرجعيتهم كتاب الله وسنة رسوله بدلاً من تكريس التبعية والتقليد للغرب ، وهذا لا يتحقق إلا بهيمنة القرآن على المنهج .
ما هي أهم معالم ذلك المنهج الكوني ( أو المحددات المنهجية القرآنية )؟
المحدد الأول : التوحيد : فهو محور الرؤية الكلية القرآنية التي تقدم إجابات عن الأسئلة النهائية عن حياة الإنسان وخلقه وغاياته . وبهذا يصبح الإنسان قادراً على مستوى الاستقامة والحيدة العلمية [3] في فهمه لما حوله وتفسيره له وفهم خواصه وتحديد وسائله وأساليبه ؛ لأنّ التوحيد من شأنه تحرير الإنسان عقلاً ونفساً وقلباً ووجداناً من الخراقة والأوهام وسائر الضغوط والتحيزات التي من شأنها أن تقلل الطاقات المعرفية الواعية لدى الإنسان مما يؤهله لممارسة التزكية في مجتمعه والعمران في الكون الذي استُخلف فيه ، وبذلك أسس القرآن للعقلانية التوحيدية .
المحدد الثاني : الجمع بين القراءتين :
نبه القرآن العقل الإنساني إلى أن يلاحظ ويكتشف ويجرب قوانين الكون وسننه الثابتة – أي لا تضطرب وإن كان هذا لا يمنع حدوث تغيرات نوعية – ، تلك القوانين التي أخضع لها الله الكون والحياة ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ ..﴾ (فصلت:53). وهنا يبرز دور المنهجية العلمية القرآنية في الهيمنة على مناهج وفلسفات العلوم الطبيعية والاجتماعية وإعطائها البعد الكوني وتطهيرها من الأبعاد الوضعية التي حشرت فيها في ضوء إدراك جازم بأنّ كل ما يجري في الكون بتدبير العزيز الحكيم ، وبطريقة أخرى ، فإنّ ما يجري في الكون محكوم بتفاعل بين الغيب والإنسان والطبيعة ، وليس الإنسان والطبيعة فقط كما قالت الفلسفات الوضعية التي رسمت علاقة سببية صلدة بين السبب والنتيجة مسقطة فعل الغيب من حسبانها ، لتكتشف لاحقاً خروقات في ذلك المنهج العلمي الوضعي ؛ فأحياناً تركب المقدمات ثم لا تأتي النتائج المفترض حتميتها ، فتحولوا عن القول باليقينية إلى الاحتمالية وعن السببية الجامدة إلى القول بسيولة الأسباب، وأدى ذلك عند بعض العلماء إلى نوع من الغيبية القلقة . لكن المنهجية العلمية القرآنية تقدم جواباً عن هذه الإشكالية دون التشكيك في المنهج العلمي بالتنبيه إلى البعد الغائب وهو الغيب ودون الانجرار إلى تفسيرات لاهوتية ضيقة . كما وأن هذه المنهجية تحرر العقل المسلم من أسر العقلية الماضوية السكونية التي تتجاهل الصيرورة التاريخية والتغيير النوعي فتسلب من المسلم فاعليته باستسلامه لما يظنه حتميات كحتمية الانحدار من سيء لأسوأ وانتظار الخلاص بدلاً من المشاركة فيه ، واستجداء العدل بدلاً من العمل على بناء قواعده ؛ وبذلك يصبح التغيير والتجديد قضية الفرد المخلص ؛ لا مسئولية أمة .
واستدراكاً لما يمكن أن يتبادر إلى الأذهان عند معالجة هذا الموضوع ، فإنّ الدكتور طه نفى أن يكون مقصوده من هيمنة المنهجية القرآ نية على العلوم الطبيعية ما يعرف بالتفسير العلمي للقرآن الكريم أو الإعجاز العلمي ، بل هو نقيض ما يرمي إليه فالإعجاز العلمي – بحسب رأيه – يجعل العلم مقيساً عليه وأصلاً للقرآن ، لأنّ إسقاط القضايا العلمية جزئيات ومناهج على القرآن المجيد يجعلها تبدو كما لو كانت مهيمنة عليه ومصدقة عليه وليس العكس . وقصارى ما يمكن أن يوصل إليه هذا الطريق أنّ القرآن لا يعارض العلم ، بل إنّ العلم جاء معززاً لما جاء به القرآن قبل خمسة عشر قرناً . ويترتب على هذا المسلك خطر كبير إذ يجعل القرآن مندمجاً في ثقافة العصر المنهجية بدلاً من أن يقوم باستعادتها من الاستلاب الذي أدى إلى وضعيتها وموضوعيتها وجزئيتها بحيث يعيد تنشئتها كونياً لتتجاوز النهايات الفلسفية التي حصرت فيها ، فتصحح مسيرة الحضارة الإنسانية وتتجاوز أزمتها ، وإلا فأي فائدة ترتجى من إثبات أنّ القرآن معادل لثقافة عصر محدد ؛ إذ للناس أن يقولوا ثقافة العصر تكفينا . والخلاصة أنّ هذا الاتجاه يؤدي إلى حصر إطلاقية القرآن في نسبية العصر بدلاً من تجاوزها .
المحدد الثالث : الوحدة البنائية للقرآن الكريم والاستيعاب الكوني :
ومن هذا المنطلق ينبغي ان يجري التعامل معه باعتباره مصدر المنهجية الكونية ؛ فلا تجوز تجزئته بحال ، ولا تجاوز شيء منه بتوهم التعارض أو التقادم أو النسأ أو النسخ أو الغموض وما إلى ذلك من تصنيفات وتوصيفات أقحمت على القرآن .
والوحدة البنائية سارية في القرآن كله فكما هي قائمة في الكتاب المجيد ككل هي أيضاً ماثلة في كل جزء منه . فالقرآن بجملته يقوم على أعمدة ثلاث : التوحيد والتزكية والعمران بشكل عام ، وعلى مستوى السورة نجد أنّ التوحيد شكل العمود الأساس لمعظم سور القرآن المجيد، وحوله تدور أوتاد التزكية والعمران ، وقد يكون عمود السورة التزكية وتربط بالتوحيد والعمران ، وقد يكون عمودها العمران ويربط بالتزكية والتوحيد وهكذا نجد أنّ الأعمدة الثلاث حاضرة في القرآن كله .
إنّ عطاء القرآن متجدد لا ينضب ولا يخلق ، ومادام عطاؤه القرآن متجدداً فستبقى فرائض التدبر والتأمل والتفكر قائمة حتى قيام الساعة ومع تنوع وتجدد مداخل القراءة و التدبر يتنوع ويتجدد عطاؤه أبد الدهر .
تعقيب :
إنّ المؤثرات التي تشكل الخلفية المعرفية والإدراكية لقراءة القرآن الكريم ، لا تتفاوت فقط من عصر إلى عصر – وهو ما سماه الدكتور طه بالسقف المعرفي – ولكنها أيضاً تتفاوت في العصر الواحد طبقاً لمحددات أخرى مجتمعية وفردية وطبقية وفكرية ، ولا يمكن التقليل من تأثيرها ، أو توهم إمكانية التجرد منها ، فإنها وإن أبينا أو أنكرنا تصوغ تحيزات وتصورات مسبقة توجه قراءتنا للقرآن الكريم .
ولتوضيح تلك الفكرة نضرب مثلاً، فإننا إن طلبنا من فقير دق الفقر عظمه – سواء أكان متأثراً بالفكر الإشتراكي أم لا – بأن يقرأ القرآن الكريم قراءة منهجية منضبطة بالضوابط السابقة ليستخلص لنا رؤية الإسلام الاقتصادية ؛ فإنه سيقوم بتلك القراءة تحت تأثير تحيزات مسبقة شكلتها تجربته الطبقية ، تختلف عن تلك التحيزات التي يخضع لها ذو اليسار المالي حتى وإن تقاطعوا في بعض الأمور ، فبينما الأول مسكون بهاجس البحث عن تقييد التصرف بالمال، فإنّ الثاني يتحرك مشدوداً إلى مبدأ إحلال الله للانتفاع والتمتع بالطيبات من الرزق – على سبيل المثال – ، ولا يمكن تجاهل تأثير تلك التصورات المسبقة في الاستخلاصات التي سيصل إليها كل منهما ( وقد نبهنا القرآن إلى أثر الخلفية الطبقية على الاستجابة لرسله وأنبيائه عندما حدثنا عن إقبال المستضعفين على التوحيد في مقابل عناد واستكبار المترفين ) . وحينما يكون المطلوب تبني رؤية للتطبيق ، فأين المنصف وكلاهما يعتبر ما يقدمه رؤيته قرآنية ، ألم يكن الاختلاف بين سياستي الخليفتين الراشدين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما في جوهره اختلاف في القراءة لرؤية او الفلسفة الاقتصادية للإسلام . لقد عالج الدكتور طه اختلاف السقف المعرفي من عصر إلى عصر وتأثيره على قراءتنا للقرآن الكريم بعمق واستفاضة ، وذلك باعترافه بتأثير تلك العوامل على قراءتنا للقرآن الكريم سواء في العصور السابقة أو عصرنا الحالي – لا كما ينكر البعض الذين أضفوا صفة المطلقية على أفهام نسبية – لكنه قام بمنهجة العلاقة بين النسبي والمطلق ، كذلك نحن بحاجة – في رأي كاتبة السطور – إلى منهجة العلاقة بين نسبيات كل عصر وبين المطلق ، وكيفية تعاطي من يلتزم تلك المنهجية مع المخالفين له دون الوقوع في فخ ردات الفعل أو توهم احتكار الفهم الصحيح وما يتبعها من تعالي وإقصاء ، ليس المطلوب هنا أدباً للاختلاف وإنما منهجية للتعاطي مع هذه الخلافات واستيعابها لتضيف إلى الفاعلية المنشودة للأمة ، بدلاً من أن تضيف فرقة إلى الفرق أو طرفاً في صراعات لا أفق لها ؛ خاصة وأنّ هذا المشروع القرآني يأتي بجديد قد يكون صادماً لما ألفه المسلمون عبر أجيال عديدة وظنوا أنه من ثوابت الدين . فهذه المنهجية المعرفية القرآنية بحاجة إلى منهجية للتمكين في العقلية المسلمة مستمدة من المنهج القرآني – حتى لا تبقى حبيسة الأحبار والصحاف – كمرحلة أولى يأتي ما بعدها ، وهذا بطبيعة الحال ليس مسئولية عقل واحد وإنما بحاجة إلى عقول وأقلام وجهود ، فالمشروع وبحسب الدكتور طه نفسه لازال أمامه الكثير ، وكما أنّ جهوداً قد تضافرت وأفكاراً قد تلاقحت حتى نضجت فكرة المنهجية القرآنية ، فلازال الطريق بحاجة إلى مزيد من التضافر والتلاقح .
[1] – ومن هذه المؤلفات هي : نحو منهجية معرفية قرآنية ، الجمع بين القراءتين قراءة الوحي وقراءة الكون ، الوحدة البنائية للقرآن الكريم ،لسان القرآن ومستقبل الأمة القطب ، نحو موقف قرآني من النسخ ، نحو موقف قرآني من إشكالية المحكم والمتشابه ، معالم منهجية في التدبر والتدبير ، معالم في المنهج القرآني ، وتتتابع حلقات الدراسات القرآنية .
[2] – وتضيف الباحثة هنا أنّ السكر الذي هو ذهاب العقل والوعي ينتج عن أسباب عدة من ضمنها الخمر ، وهذا ما نفهمه من القرآن الكريم قال تعالى يصف حال قوم لوط ع : { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } [الحجر72] وقوله تعالى :{ وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } [ ق19] إذن فليس المقصود في الآية السكر الناتج عن شرب الخمر فقط .