Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

ما قولكم شيخنا في  الآيات التي ذكرها الله (تعالى) كأفعال؟

– السلام عليكم أستاذنا و شيخنا الدكتور طه . لقد قرأت مؤخرا كتاب لدكتور يبدو عنه سلفي عنوانه : صفات الله عز وجل. و هو كتاب يتجاوز ال450 صفحة. ظنا مني أن أجد فيه شرح يشفي و يغني حتى على المدهب الوهابي لا بأس و بعد عدة صفحات وجدته كتاب جمع فيه ماذكره الله (عز وجل) على سبيل الصفة و ما ذكره على سبيل عقوبة لقوم ما . و لم يزد إلا أقوالا من هنا و هناك. المهم ما لفتني إليه هذا الكاتب أنه وصف الله عز وجلبصفات لم أستطع استصاغتها . كقوله : أن الله بقدرته أن ينسى . و جعل النسيان صفة لله . و أن من صفاته الله المكر . و الإستهزاء . و ما إلى ذلك . و يقول هي مذكورة في القرآن . كقوله تعالى (( نسوا الله فنسيهم)) و (( يمكرون ويمكر الله)) و ( الله يستهزئ بهم )) طبعا تناسى قوله تعالى (( و ما كان ربك نسيا)). فما قولكم شيخنا في مثل هذه الأيات التي ذكرها الله تعالى كأفعال . لا كأوصاف. و ماذا أبقى مما قاله اليهود عن الله جل في علاه. سبحانه و تعالى عما يصفون. و كل و هو يكرر و يعيد أنه من أنكر شيء منها فقد كذب الله تعالى في وصفه لنفسه. و ما إلى ذلك. و القضية مخيفة لا يمكن أن نكذب الله عز وجل في شيء مما قال و لكن يجب تنزيهه أيضا عن صفات النقص .أرجو أن تصوبونا رحمكم الله تعالى . و سدد خطاكم .

ج/ يشترط بالصفة الثبات والاستمرار، فحين نقول: الله سميع، الله عليم، قدير، خبير، حي، قيوم، ذو الجلال والإكرام، بحيث لا يكذب الواصف في إطلاقها على الموصوف في أية لحظة، وهناك أمور هي من قبيل الصفات لمخلوقات وتكاد تكون ثابتة فيها، فاشتهر الثعلب بالمكر والتحايل، واشتهر القرد بالتقليد، فحين نطلق على الثعلب هذا اللقب أو الصفة فإنما نطلقه عليه ونحن صادقون؛ لأنه مشتهر فيه حتى صار صفة له، ولقبا يلقب به، أما من فعل الشيء مرة أو مرتين أو أنه يقابل المكر بالمكر، والعدوان بالعدوان، والإيذاء بمثله فلا يعد ذلك صفة له، فالله (تبارك وتعالى) حين يمكر المنافقون يقول لهم باعتبارهم فخورين بمكرهم حين يرون المؤمنين يظهرون الإيمان ويلقون الكافرين فيظهرون الكفر ويعتبرون ذلك ذكاءً شديدا منهم واحتياطا قائما على عقل وحكمة، فالله (تبارك وتعالى) يقابل ذلك بمثله فيقول لهم: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (الأنفال:30)، لكن مكرهم لا مسوغ له، فهو المكر السيئ، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، والله (جل شأنه) حين يحرمهم من تحقيق أية نتائج مفيدة لمكرهم يريد أن يقول لهم ها قد فعلتم كل ما في ذكائكم الخبيث من طاقة لكننا كنا محيطين بذلك، فأحبطناه، لأننا نملك القدرة المطلقة لتدمير ما تصنعون، وذلك أسلوب من أساليب العربية كمن يقول لمن يجهل عليه أو يعامله بسفه: لا تجهل فأنا إن أردت أن أنزل إلى مستواك أجهل أكثر منك؛ ولذلك فالجميع يعرفون بداهة أن نحو قوله (جل شأنه)﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة:194) أي فجازوه على عدوانه بمثله، فمن رد عدوانا بمثله فلا يقال له: معتد. بل يقال بأنه رد العدوان على من بدأه، وجازاه بمثله؛ ولذلك فإن الله (جل شأنه) أراد أن يحرمهم الإحساس بالانتصار فيقول لهم:﴿ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا ..﴾ (الرعد:42) فمكر شياطين الإنس مثل مكر شياطين الجن، لا يمكن أن يتحقق شيء منه أو من آثاره أو نتائجه إلا بإذن الله، فيريد أن ينبه هؤلاء  إلى أن هذا الذي تظنون أنه قدرة حقيقية لكم وطاقة تفخرون بها هو ليس بقدرة على سبيل الحقيقة، بل محاط كسائر أفعالكم بالإرادة الإلهية، كما قال للشياطين: ﴿لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ (الرحمن:33) يريد أن يسلب هؤلاء أي إحساس بالقدرة أو التفوق أو ما إلى ذلك.

 أما ما أشرت إليه فهناك فريقان في فهم الخطاب الديني منذ أن أنزل الله الصحف الأولى ثم التوراة والزابور والإنجيل والقرآن فريقان في فهم الخطاب الإلهي، فريق يحمله على ظاهره ويأخذه بألفاظه وينزله على المعاني اللغوية القائمة في ذهنه، بشكل حرفي ونصوصي، ومنهم من يدرك معناه وسياقه، وينزله على ما ينسجم مع الإيمان الصحيح وتنزيه الله (تعالى) وتعظيمه وتقديسه، وتعزيزه وتوقيره (جل شأنه)، فيعتبر مثل هذه النصوص قد أطلقت على سبيل المقابلة اللفظية لتفيد مثلما أشرنا إليه فيما سبق.

فربنا (جل شأنه) وتقدست أسماؤه وعظمت صفاته لا ينسى ولا يجهل وليس كمثله شيء، ولا يماثل شيئا من خلقه بحال من الأحوال؛ ولذلك فإن كثيرا من أولئك الذين قالوا بمثل ما قال صاحبك إنتهوا إلى أن يكونوا مشبهة حشوية، يشبهون الله بخلقه، ويصفونه بصفاتهم، والله لا يشبهه أحد، ولا يشبه أحدا، وهو منزه عن خلق الشبيه، وهؤلاء قد فروا من التأويل بزعمهم لئلا يقعوا في التعطيل فسقطوا في التشبيه، والطريق الأمثل والأسلم أن تفهم هذه في سياقاتها، وأن لا نتجاوز في الفهم ولا في التأويل والتشبيه والتعطيل دلالات السياق، ولا إيضاحات النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما صح عنه من أحاديث متواترة، أو صحيحة صحة لا يدور حولها شك، وابتعد وأمثالك من الشباب عن مثل هذه القراءات لئلا تصاب في إيمانك ويقينك، فلقد رأيت نهايات وخيمة لبعض هؤلاء ولا أنسى حالات مرت بي لعدد منهم ركبهم الجنون في أواخر حياتهم، فكانوا يجلسون على قارعة الطريق ليقولوا: بت أمس مع الله وأطعمني وسقاني. وبعضهم يذهب به الجنون إلى أبعد من ذلك فيدذعي أنه (جل شأنه) قد دعى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأمره أن يقوم على حراسة ذلك المخبول حتى يصبح. لأن عقلا يقبل لربه (جل شأنه) لأن ينسى ويعتدي ويمكر كما يفعل البشر لا يستغرب أن يصل إلى هذا القدر من الجنون.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *